السعودية في مقدمة الدول التي تقود مستقبل الحضارة العربية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. تمتلك السعودية المقومات التاريخية والجغرافية لتكون رائدة في تحقيق ازدهار الإنسان العربي المعاصر. الرؤية السعودية حلم على مشارف التحقق، يحمل الكثير من الوعود والأهداف، ويلهم العديد من الدول العربية لإحداث تغيير نحو الأفضل، وتحقيق مستقبل مشرق يقوم على الاقتصاد والصناعة والتقنية والثقافة المحلية الأصلية.

سنتحدث عن البعد الثقافي هنا، نظرًا لأهميته في بناء مجتمع حضاري مزدهر ومستقل بذاته. السعودية من أوائل الدول التي تنبهت لأهمية ترسيخ الهوية التاريخية وتعزيز الانتماء الوطني للأرض والثقافة، عبر إحياء الهوية الأصيلة للمجتمع. بدأت السعودية منذ عدة سنوات في تعزيز الهوية التاريخية للمجتمع السعودي، وربط وجوده المعنوي بالهوية المحلية، بعيدًا عن التشويش الناتج عن الهويات الخارجية. فعلى سبيل المثال، الاحتفال بيوم التأسيس للدولة السعودية الأولى يُعد تجسيدًا لهوية أصيلة متجذرة في وجدان كل مواطن سعودي، وإحياءً للتاريخ الحقيقي للدولة السعودية وأصالتها في عمق التاريخ. ففي فترات سابقة، تعرضت الهوية السعودية لمحاولات تشويش، عبر زرع هويات خارجية مثل العروبية أو الأممية وغيرها، بهدف إبعاد المواطن السعودي عن انتمائه لهويته الأصلية. هذه الهويات الزائفة تفصل المواطن عن وطنه، وتبعده تمامًا عن العمل من أجله، حيث يصبح الفرد في هذه الحالة مواطنًا سلبيًا، يحلم بعالم موازٍ لا يفيد مجتمعه ولا وطنه. تسعى هذه الهويات إلى تدمير المجتمعات، ولا تمتلك سوى أحلام غير واقعية.

توجهت السعودية كذلك إلى ربط التاريخ القريب للثقافة السعودية بواقعها الحالي، لجعل التاريخ امتدادًا متكاملًا وليس مجرد أحداث منفصلة. فالانتماء يزداد كلما تعزز الارتباط بالتاريخ القريب للفرد. وكلما ابتعد الفرد عن تاريخه القريب، ضعف انتماؤه واضطربت هويته. وحين يضعف الانتماء وتضطرب الهوية الأصيلة، تتشكل بيئة خصبة لانتشار الهويات المضللة الخارجية. لذلك نجد في السعودية استمرارًا واضحًا بين لباس الأجداد والأحفاد، وتشابهًا كبيرًا بين ثقافة الأجيال المختلفة. القصة واحدة لكن تتجلى بأساليب مختلفة. ونجد أن المؤسسات في السعودية تعمل بجدية في مختلف المجالات لغرس التاريخ القريب في الوجدان الجمعي للمجتمع السعودي، وتعزيز وعي الأفراد بثقافة وقصص وأشعار أجدادهم الأبطال. هذا الدور يُعد جهدًا حضاريًا متكاملًا لا يتعارض مع التطور الصناعي والاقتصادي للدولة، بل يعزز العمل والتفاني من أجل الوطن.


تعزيز الهوية الأصيلة للمجتمع عن طريق ربط الأفراد بتاريخهم القريب، وتعزيز علاقتهم به، يزيد من فرص نجاح المشاريع المستقبلية للدولة على المستويات الصناعية والاقتصادية والسياسية. فالمواطن الذي يتشبع وجوديًا بهذا الانتماء الأصيل، ويكتفي بهويته الوطنية، يصبح فردًا منتجًا ومضحيًا من أجل الوطن الذي ينتمي إليه بتاريخه العريق. وسوف يكون مدافعًا عنه بكل قوة وإرادة، إذ يتحول الوطن لديه إلى قضية وجودية، وليس مجرد مؤسسات وخدمات. اعتمدت الرؤية السعودية بشكل كبير على هذا البعد الهويّاتي، ما أسهم في تحقيقها على أرض الواقع، متجاوزةً التوقعات.

لذلك تعتبر السعودية مشروعًا رياديًا للإنسان العربي المعاصر، ونموذجًا يُحتذى به في صون الهوية الأصيلة، وتأسيس مجتمع طموح يعمل لأجل الوطن، متسلحًا بالتفاني والإخلاص الذي لا حدود له. حين يستمد المجتمع أصالته من جذوره التاريخية، تتقد فيه شعلة الطموح نحو المستقبل، متطلعًا إلى السير على خطى أمجاده السابقة، ساعيًا إلى بناء مجد جديد يُكمل به ملحمة العظماء الذين ضحّوا بأرواحهم ليؤسسوا وطنًا مزدهرًا، يسهم في نهضة الحضارة العربية ويرتقي بالإنسانية جمعاء.