اختيار المملكة لاستضافة المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة في الرياض لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج مسار طويل من العمل الدبلوماسي الحكيم الذي قاده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برؤيته الثاقبة وسياسته المتزنة، استطاع أن يعزز مكانة المملكة كدولة تتمتع بالمصداقية والثقل السياسي والاقتصادي، ما جعلها خيارًا مثاليًا عندما تبحث القوى الكبرى عن وسيط نزيه وأرضية محايدة للحوار.
السعودية ليست مجرد وسيط، بل دولة عظيمة أثبتت نفسها على الساحة الدولية، وهي عضو في مجموعة العشرين التي تضم أقوى الاقتصادات العالمية، ما يمنحها نفوذًا وتأثيرًا لا يمكن تجاهله؛ أفعالها تسبق أقوالها، فهي لم تكتفِ بإعلان دعمها للسلام، بل أسهمت فعليًا في حل العديد من الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة والعالم، من دعم الاستقرار في اليمن إلى المساهمة في إعادة الإعمار في دول منكوبة.
ما يعزز مصداقية المملكة في هذا الدور هو التزامها الدائم بمبادئ الحياد والتوازن، علاقاتها المتينة مع كل من الشرق والغرب، وحرصها على تعزيز التعاون الدولي، جعلها تحظى بثقة الجميع، هذه المصداقية لم تأتِ من فراغ، بل من سجل حافل بالمبادرات والمساهمات التي تؤكد أن السعودية ليست طرفًا في النزاع، بل شريك في الحل.
رؤية الأمير محمد بن سلمان الطموحة التي تتجلى في رؤية 2030 لم تقتصر على الإصلاحات الداخلية، بل امتدت إلى السياسة الخارجية، حيث تسعى المملكة لأن تكون لاعبًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل العالم، لا سيما في أوقات الأزمات، هذه الرؤية عززت من قدرة المملكة على أن تكون منصة للحوار، مدفوعة بإرثها التاريخي، وقوتها الاقتصادية، وعمقها الثقافي والديني.
السعودية اليوم ليست مجرد دولة غنية بالنفط، بل قوة مؤثرة تسعى لتحقيق السلام، وتوازن المصالح، وخدمة الإنسانية، عندما تختار القوى الكبرى الرياض كمكان للحوار، فهي تختار دولة أفعالها تسبق أقوالها، ومصداقيتها راسخة، ودورها لا غنى عنه في عالم يزداد تعقيدًا.