في مطلع التسعينيات، كان الخليج العربي يمر بأحد أشد فصوله قتامة. الاحتلال العراقي للكويت كان كزلزالٍ ضرب المنطقة، هزّ أركانها وغيّر ملامحها. لكن وسط هذا الخراب، برز الأمير محمد بن فهد كقائدٍ يواجه العاصفة لا لينجو، بل لينقذ.
المنطقة الشرقية، التي كان أميرها في تلك الحقبة، تحولت إلى قاعدة محورية لعمليات تحرير الكويت. لم تكن مسؤوليته سهلة، فقد كانت المعادلة معقدة: جيوشٌ تتحرك، إمداداتٌ تحتاج إلى تنسيق دقيق، وأبناء الكويت الذين غادروا وطنهم بحثًا عن الأمان. لكنه لم يكن رجلًا عاديًا، بل كان يمتلك رؤية قائد وإنسانية أبٍ يحتضن أبناءه.
ليس من السهل أن تكون قويًا في الحروب دون أن تفقد إنسانيتك، لكن الأمير محمد بن فهد فعل ذلك. كان الكويتيون الذين اضطروا إلى مغادرة وطنهم يحملون في قلوبهم قصصًا عن رجلٍ لم يرَ فيهم مجرد أعداد، بل أرواحًا تستحق الإنقاذ والكرامة.
كان يشرف بنفسه على تهيئة المساكن التي استقبلتهم، ويتأكد من أن كل فرد يحصل على المأوى والغذاء. ووسط هذا كله، لم يكن غريبًا أن يُعاملهم كأفراد من عائلته، ينصت إلى احتياجاتهم كما لو كانت قصصهم تخصّه شخصيًا. كان يرى في كل فرد صورة وطنٍ ينتظر العودة، وكان يعمل بلا كلل لضمان أن تكون تلك العودة قريبة.
ما يميز الرجال العظام ليس قدرتهم على حل الأزمات فحسب، بل إدراكهم أن كل أزمة هي فرصة لبناء مستقبل أفضل. هذا ما فعله الأمير محمد بن فهد. لم يكن دوره يقتصر على تحرير الكويت، بل على بناء الجسور بين دول الخليج، وتعزيز التعاون المشترك لضمان ألا تتكرر تلك المأساة.
لقد رأى أن تحرير الكويت ليس نهاية المعركة، بل بداية لمرحلة جديدة من الوحدة الخليجية. هذا الإدراك جعله يسعى إلى ترسيخ قيم التعاون والتكاتف بين الدول، مدركًا أن قوة الخليج لا تكمن في نفطه فقط، بل في شعوبه المتماسكة وقياداته الرشيدة.
حين رحل الأمير محمد بن فهد، لم يكن موته نهاية لقصته. مثل الأبطال الحقيقيين، يظل تأثيره حيًّا، يروي قصصًا عن شجاعة رجلٍ لم يسعَ خلف الألقاب، بل عاش ليترك أثرًا.
ربما لا تكفي الكلمات لتُجسد إرثه، لكنه إرثٌ يشعر به كل من عاش تلك الحقبة. إرثٌ يحكي عن قائدٍ لم يكتفِ بأن يكون سياسيًا أو مسؤولًا، بل كان إنسانًا يقف في الصفوف الأولى، ليُعيد الحق إلى نصابه، ويمنح المظلومين أملًا في الحياة.
في تاريخ الخليج، سيبقى اسم محمد بن فهد، رحمه الله، محفورًا كواحدٍ من أولئك الذين علّمونا أن البطولة ليست في رفع السيوف، بل في حمل قلوب الناس على أكتاف الرحمة والإخلاص.