هناك حاجات مادية وهي من أساسيات الحياة، وجميل جدا أن نعلم بحاجة من حولنا المادية، ونسد تلك الحاجة بالقدرة التي بين أيدينا. ولكن هناك حاجات نفسية ولمسات لطيفة ووفاء من البعض يكون لها مردود جميل جدا على الذات، وتبقى محفورة بذاكرتك مدى العمر وهي التلطف بالتعامل ومحاولة مواساة من أصابه أمر محزن، أو فقد أدمى قلبه، ونثر غالي دموعه، في هذي اللحظة أظن أن القرب من الشخص ومواساته في الكلام والتلطف أعظم من أموال الدنيا، وله مردود جميل جدا على الشخص، وهي ليست مكلفة ولها قيمة عظيمة للطرف الآخر، فالقرب من الشخص وقت الحزن ووقت الألم عظيم جدا، ولا يقوم به إلا من فيه سمات الوفاء والقلب الرقيق، لأن نادرا من يشعر في هذا الزمن، ويحن على من أصابه شيء من الحزن وابتلاءات الدنيا. وأذكر عندما فقدت والدي -رحمه الله- وانفتح جرح ما زال يدمي من ذلك الرحيل بالفعل، لم ولن أنسى من كان معي في ذلك الموقف مواسيا لي ومهونا علي تلك المصيبة، وهم كثر، من حاول تخفيف ذلك الألم جزاهم الله عني خير الجزاء. ولكن يبقى شخص واحد لن أنسى له ذلك الموقف ما حييت، وفي كل ساعة استجابة أذكر ذلك الموقف، وأرفع له كفوف الدعاء متضرعا للخالق -سبحانه- أن يشمله برحمته وبعفوه وهو عمي إبراهيم رحمه الله. واساني بكل لطف وبكل حنية، وكان ينظر إلي بعين الأب العطوفة حتى عندما كبرت، عمي -رحمه الله- كان إنسانا نادرا في هذه الحياة، لم أذكر أنه في يوم غضب من أحد، أو عبس بوجه أحد، وفي كل مكان أراه فيه تسبقه الدموع من شدة حنيته، وعطفه على ذلك الطفل الذي فقد قطعة منه، كان رجلا لا تعيبه في شيء، إلا أنه دون التابعين. مضى على ذلك الموقف أكثر من عشرين عاما، وما زال محفورا بذاكرتي، وفي كل مرة أتذكر ذلك اللطف من عمي -رحمه الله- أسأل المولى -عز وجل- أن يسكنه فسيح جناته. وهذا ما أقصده في هذا المقال، أن نكون مع الآخرين في لحظات ضعفهم، وربما كلمة مواساة أو ابتسامة في وقتها تكون سبب دخولك الجنة من يعلم ! وتذكر أن جبر الخواطر عمل عظيم يتقرب به إلى رب العباد، ولا يكون جبر الخواطر في وقت الفقد فقط، بل في كل الأوقات فالناس تتفاوت في أحزانها. وكان رسول الله ﷺ أكثر الناس مواساة للناس، ومشاركة لهم في همومهم، وسعيا في تفريج كرباتهم، قبل النبوة وبعدها، فقبل النبوة قالت خديجة: «إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق» - البخاري. وأيضا فعل الرسول ﷺ مع الطفل الذي مات عصفوره؛ حين زار رسول الله ﷺ صاحبيه أبا طلحة الأنصاري وأنس بن مالك في بيت أم سليم، فرأى رسول الله طفلا صغيرا جالسا على الأرض، وهو أبو عمير، وكان عمره وقتها ثلاثة أعوام، في حضنه عصفور صغير مريض، تنهمر دموعه حزنا على عصفوره، فجاء رسول الله ﷺ وقال له برفق «يا أبا عمير، ما الذي فعل النغير؟» فما بالك في تعاطف النبي ﷺ مع من فقد أحدا من أحبائه. والأحاديث الواردة عنه ﷺ كثيرة.

جبرنا الله وإياكم.