هذه الرؤية الطموحة تؤكد أن لكل جيل بصمته، وأن التقدم يتحقق حين تتكامل الخبرة مع الإبداع، والحكمة مع الحيوية.
إن الإيمان بالمواهب والكفاءات من سمات العقلاء وأصحاب الخبرة الحقيقيين، فهم يدركون تمامًا أن في الأجيال القادمة مواهب وقدرات قد تفوق ما سبقها من حكمتهم وفراستهم، والتاريخ أثبت أن التميز ليس حكرًا على جيل بعينه، بل هو ميراث تتناقله الأجيال، تتفوق فيه كل مرحلة بما يناسب زمانها.
قال أحد السلف: «قيمة كل امرئ ما يحسنه»، وهذا ما يجعل العطاء مرتبطا بالكفاءة والقدرة، وليس بالعمر أو الأسبقية وحدها.
إن من يفتح الأبواب للأجيال الصاعدة، ويعطيها الفرصة الحقيقية للإبداع، لا يقلل من شأنه، بل يرفع مكانته في أعين من حوله، فهو يدرك أن البصمة التي يتركها في دعم الآخرين هي أعظم إرث يمكن أن يقدمه لنفسه وللمجتمع.
المملكة العربية السعودية نموذج للإنصاف فيما تقوم به من دعم للأجيال والمواهب، حيث تُقدم مثالًا حيًا على تقدير الإمكانات.
رؤية 2030 تؤكد أن النجاح الوطني يتحقق بالتكامل بين الجميع، حيث تمكين الشباب والمواهب ليس مجرد شعار، بل واقع يتجلى في الثقة الممنوحة لهم في قيادة المشاريع والمبادرات الوطنية، وهذا الإنصاف لا ينتقص من الخبرات، بل يُبرزها كشريك أساسي في بناء المستقبل.
من الحكمة أن يدرك الإنسان قيمة ذاته أولًا قبل أن يسعى للحصول على التقدير من الآخرين.. احترام ذاتك يعني أن تعرف متى تفسح المجال للآخرين، وأن تدرك أن البقاء نجم دائمًا في الأدوار الصغيرة لا يعكس الحكمة، بل يضيع فرصًا أكبر لترك بصمة حقيقية.
يقول أحد الحكماء: «من عرف قدر نفسه أراح واستراح».
الإنسان العاقل يُدرك أن احترام ذاته يتجسد في احترام عمره وقدراته، ومساحة الآخرين من حوله. لا يمكن أن تُبنى حياة ذات أثر دون أن تتسع الدائرة للجميع، لأن العطاء للآخرين هو في حقيقته عطاء للنفس.
إن أعظم ما يقدمه الإنسان لذاته هو أن يترك أثرًا طيبًا في نفوس الآخرين، فمن يضيّق على الأجيال القادمة، أو يُمارس التهميش بحجة الحفاظ على مكانته، قد يكتشف لاحقًا أن هذا السلوك أفقده الاحترام الذي كان يتطلع إليه في مراحل حياته المتقدمة. أما من يُفسح المجال، ويؤمن بمواهب الآخرين، فإنه يُرسخ مكانته كرمزٍ للتقدير والاحترام.
ترك الأثر لا يتحقق بالاستئثار، بل بإفساح المجال للآخرين ليزدهروا، مع احترام الذات وتقديرها. لنجعل من هذه القيم منارةً لحياتنا، ونؤمن بأن البصمة التي نتركها في الآخرين ستعود إلينا احترامًا وإجلالًا في كل مراحل العمر، لأن احترام الأجيال ليس خيارًا، بل هو جزء من بصمة الحياة التي تُخلّد الإنسان في قلوب من حوله.