يعد مسلسل (خيوط المعازيب) المصنف كدراما اجتماعية أحد أشهر المسلسلات المعروضة على قناة إم.بي.سي. في موسم شهر رمضان العام الحالي. حيث تميز بتسليط الضوء على مجتمع الأحساء في ستينيات القرن العشرين، وهي بيئة اجتماعية لم تظهر إلا بشكل محدود في الدراما السعودية. وهذا الأمر قد ظهر جليا في اهتمام الناس واجتماعهم لمشاهدته سواء من داخل الأحساء أو خارجها ، وتباينت الآراء حوله ، مع الإشادة بكثير من جوانب العمل الفنية والإبداعية كفكرة وبيئة وآداء الممثلين والممثلات والإخراج.

وضعت الناس توقعات عديدة عنه نظرا لآن المسلسلات المحلية عادة توجه عدستها لشخوص وقصص تحمل طابعا واقعيا، فماذا لو رصدت تلك العدسة تاريخا عريقا لمرحلة من مراحل المجتمع! إن أفق التوقعات لدى المتلقي متغيرة، فقبل مشاهدة العمل يختلف عما بعده، وقد تتغير أثناء مشاهدته حلقة بعد أخرى. وما يشكل صدمة لدى المتلقي هو اختلاف العمل المقدم عن توقعاته المسبقة. ولذا رأينا لغطا كبيرا حول اللهجة، ومسار بعض الشخصيات على سبيل المثال.

إن ما توقعه الناس، وتمنوه، وتخيلوه، فيما يرتبط بالأحداث، والشخصيات، واللهجة، والبيئة الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية المطروحة في المسلسل؛ ما هو إلا تمهيد لدخول المتلقي في مرحلة ثانية أكثر نضجا في قبول العمل نفسه بعد مدة من جهة، وفي رفع مستوى توقعاتهم المستقبلية عن الأعمال الدرامية اللاحقة التي ستخرج من هذا المكان. وهذا هو التحول الطبيعي في قبول الاتجاهات الإبداعية والفنية المختلفة والمتجددة في كل زمن. لأن الناس ببساطة لم تعتد على مشاهدة عمل درامي طويل من هذه البيئة وعنها ولذا تولد هذا التفاعل الملحوظ مع (خيوط المعازيب).

ولعل أكثر الأعمال الدرامية صعوبة هي التي تستند على التاريخ كأساس للعمل، فيختلط على المتلقي المسار الفني للعمل بالمسار التاريخي فيه. ومن الملاحظ في (خيوط المعازيب) العناية بأدق التفاصيل التي تصور المجتمع الاحسائي في تلك الحقبة تاريخيا، إلا أن بعض الفجوات الفنية على مستوى تكوين بعض الشخصيات قد أفقد المتلقي شيئا من الإحساس بالمسافة الجمالية بين التاريخي والفني.

إن هذا العمل التاريخي الدرامي هو شكل من أشكال حفظ تحولاتنا التاريخية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية ونقلها إلى الآخر أيضا. فلا يمكن اغفال الجانب الفني والإبداعي أو اخضاعه لمستوى أدنى على حساب التاريخية، ولا العكس كذلك، فليس من المقبول فنيا أن يعرض العمل كوثيقة تاريخية. لأن وظيفة الأعمال الدرامية التاريخية ليس التأريخ بحد ذاته، بل دورها الأهم صناعة ذاكرة ثقافية عن المكان والناس وحكاياتهم.

* أمينة عبدالوهاب الحسن