يومان في حياة الإنسان يمر بهما، هما الأكثر تعبًا على الإطلاق، يوم ولد ويوم يموت. أكبر المخاطر تتكاثر عليه في هذين اليومين، وما بينهما حياة تحمله ويحملها، تعلمه دروسًا قابلة للنسيان.

رجال ونساء يتشاركون الحياة على هذا الكوكب، لهم روح ربانية واحدة، يختلفون في نوع جيناتهم ويتشارك الأسوياء في عددها، لا يملك الإنسان خيار القدوم ولا المغادرة ويملك القرار فيما سواهما، الإنسان الأكثر صغرًا والأكبر عمرًا هما الأكثر قابلية للموت وفي آخر المطاف الكل يموت، لذلك الحياة فرصة لتحقيق ما تحب، لتعيش كما يجب، بالتأكيد سمعتم أو قرأتم عن ناس لم يكونوا هم، عاشوا حياة لا تشبههم، أخذتهم الحياة وفي آخر المطاف وجدوا أنفسهم وحدهم والوحدة تؤدي إلى الموت المبكر.

محظوظون هم أولئك الذين شاركوا أشخاصا لحظاتهم الأخيرة، لأنهم تعلموا منهم كيف يجب أن يعيشوا، فالأمنيات تزداد وتتفاقم والندم يكبر في ذلك الوقت فلا طريق للعودة ولا زمن يكفي، الطاقم الطبي أكثر من يشارك الأشخاص لحظاتهم الأخيرة، متاعبهم، وسعادتهم ربما بالوصول إلى المحطة الأخيرة، الروح نفس يخرج من الجسد يشعر به ذلك الذي يقوم بإنعاش المريض، ليس خيالًا بل شعور حقيقي، يحتاج إلى استشعار اللحظة وإدراك هيبتها، حينما يخرج الطبيب إلى الأهل لينقل لهم خبر وفاة حبيب أو قريب، يقف، يسترجع درس كيفية إيصال الخبر السيئ الى الأهل، ليقول ذلك بكل سلاسة ولكنه يفشل، فيكون كمن قذف بقنبلة أمامهم فاغتالتهم جميعًا، وبعد ذلك عليهم أن يجمعوا أشلاءهم وجثة ميتهم ليفسحوا الطريق أمام محتضرٍ آخر.

ممرضة تحكي عن أمنيات الناس في أيامهم الأخيرة، تعددت أقوالهم، ندم أحدهم أنه عاش حياة مختلفة لإرضاء الناس وحينما انتهى به الأمر على السرير الأبيض لم يجدهم حوله، وقال آخر أتمنى لو كانت لدي الشجاعة للتعبير عن مشاعري، البعض يحبس ما في نفسه ليرضي الآخرين، ليعيش بسلام ولو كان على حساب قلبه وراحته، وفي المقابل آخرون يموتون ولم يقولوا لأحبتهم كلمة حب، ورحلوا حتى دون أن يحتضنوا أيديهم، جفاف في المشاعر ورحيل قاسٍ، يجب على المرء أن يدرك أن البوح بمشاعره يعد أفضل بكثير من كتمانها والبقاء طوال حياته يفكر ماذا كان سيحصل لو عبر عنها ولم يكتمها عمن يحب. والبعض تمنى لو أنه لم يعمل كل هذا الوقت وخصص وقتًا لأسرته لأنه لم يستمتع بهم بقدرٍ كافٍ ولم يولِ صحته العناية والاهتمام لأن عمله شغله فلا وقت لديه لمواعيد العيادات وتنفيذ نصائح الأطباء، وأمٌ ندمت على كل لحظة لم تحتضن فيها أطفالها قبل نومهم، كانت شابة، أصابها سرطان ولم يمهلها.

حتى أولئك الذين هرموا وتأملوا حياتهم في لحظة ما، لم يرغبوا يومًا في أن يكونوا ما هم عليه اليوم، ندموا على عدم ممارسة ما يرغبون به في حياتهم، وبقائهم في وظائف لم يستمتعوا بها وتحسروا على عدم تحقيق أحلامهم عندما كان ذلك ممكنًا. فعندما أراد بعضهم دراسة تخصص مختلف أو ممارسة مهنة مختلفة أقنعهم الآخرون أن هذا ليس قرارًا حكيمًا وأخافهم البعض بإمكانية الفشل لذلك بقوا كما هم، لم يحققوا ذاتهم ولم يتنبهوا لذلك إلا حينما هرموا ولم يعد بإمكانهم التغيير، وإن هم حاولوا لن يسلموا من الانتقاد (لمّا شاب ودوه الكتّاب).

الكبر والموت محطتان يمر بهما الإنسان أو بأحدهما ولكن كيف ستكون عندها، أتكون أنت، عشت حياتك، اهتممت بأسرتك وصحتك، بذلت وقتك فيما ينفعك غدًا، أتأملت في نفسك، هل أسعدت هذا الإنسان الذي هو أنت، هل صنعت أشخاصًا تتشارك معهم لحظات هرمك وضعفك ووداعك؟ اهتم بصحتك واصنع اليوم أحبة حقيقيين لمحطات ضعفك لتعبرها بسلام.