في عالم تتزايد فيه التحديات، من كل صوب وحدة، تصبح الحاجة للتآلف الفكري والروحي ضرورة ملحة، تضمن استقرار المجتمعات وتماسكها ووحدتها؛ فالإيمان بالدين بروح شاملة متحررة من التصنيفات والجدليات العقيمة، هو ما يحتاجه الناس لتعزيز روح المواطنة والعمل المشترك نحو رفعة الأوطان وتحقيق السلام المجتمعي..

الحكمة في عالم اليوم تقتضي التمسك بالأصول الجامعة، التي دعا إليها الشرع الحنيف، دون الوقوع في مغالاة التصنيف بين الأفكار أو المنهجيات، لا سيما وأن قرارات عدة صادرة عن جهات شرعية رصينة أوضحت أن من يتمسك بالدين وأصوله الأساسية هو في إطار الإيمان المقبول، وأوصت بما يكفل حرمة الدم والعرض والمال، والاعتراف بتنوع الأفكار مع الالتزام بقيم التعايش والتآخي، مما يعكس عظمة الإسلام وسماحته في قبول التنوع الفكري في إطار أركان الإسلام والإيمان، والتوحيد والإحسان.

العالم والناس بحاجة إلى تجاوز النقاشات النظرية والاهتمام بالجوانب الروحية للدين؛ كتعزيز الخشوع، والارتباط بالخالق، ونقاء القلب، والتواضع لله، والذكر المستمر، وهي أمور تسهم في بناء نفسية متوازنة وروح إيجابية تخدم الفرد والمجتمع، وفي حاجة أيضا إلى الابتعاد عن الشبهات والتفسيرات المتشددة، وهذه الخطوات بدون شك ستُعمّق الانتماء للدين، وتحقق الراحة النفسية لكل مؤمن؛ كما يجب أن يكون النقد هادفًا إلى الإصلاح، وأن يقوم على مبدأ النصح البعيد عن الهجوم أو إضعاف صفوف الناس.


إن من أجل مهماتنا اليوم تعزيز التآخي ونبذ التفرقة، وهو ما نحتاجه اليوم لتحقيق مجتمع مستقر، وفي هذا الصدد ينبغي أن نستحضر ما قاله بعض القادة المعاصرين حول التعامل المتوازن مع التراث، والذي يفيد بأن العلماء والمفكرين ليسوا معصومين؛ بل يؤخذ منهم ويُردّ، استنادًا إلى جوهر الدين وأصوله، وليس بناءً على الأسماء أو التوجهات الفكرية، ومجتمعنا، بما يحمله من تنوع فكري وإرث ديني، يحتاج إلى روح التضامن والتآزر، والابتعاد عن أي نقاشات أو تصنيفات؛ وكما أوضح سيدي خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله ورعاه، فإن كل فرد في الوطن له قيمته ومكانته، ولا فرق بين منطقة وأخرى أو مواطن وآخر، بل الوطن لكل مواطن، والتحديات تتطلب من الجميع العمل بروح التعاون والمحبة لبناء مستقبل أفضل للوطن وأبنائه؛ وفي هذا السياق، أذكّر كذلك بحديث سيدي سمو ولي العهد، قواه الله وسدده، الذي أكد فيه أن الشخصيات التاريخية الكبرى في الفقه ليست معصومة، وأن أتباعها ليسوا ملزمين باتباعهم اتباعًا أعمى.

أختم بأن الحديث عن الوحدة الفكرية أولى دون شك من الحديث عن التباينات الفكرية، وأتمنى صادقًا أن نكون حريصين على التمسك بوسطية الدين، فنعود «مطمئنين غير مرغمين»، للكتاب والسنة، ونتحلى بروح نقدية بناءة، تحترم الاختلافات دون إقصاء أو استعلاء، ونحافظ على الجانب الروحي للدين، في سبيل تعزيز القيم الدينية النقية التي توحدنا، والأهم اليوم وكل يوم تماسك المجتمع ووحدة الكلمة، والابتعاد عن أي نزاعات فكرية أو مذهبية تفرق القلوب وتشق الصفوف.