تعتمد كفاءة مؤسسات التعليم العالي في تحقيق أهدافها ومنافستها مع نظرائها على فاعلية قيادتها الأكاديمية. يطول الكلام في الممارسات القيادية الأكثر فاعلية اليوم وتتعدد مفاهيمها ونظرياتها. توجد تعريفات عديدة للقائد الأكاديمي ومنها أنه الشخص الذي يحفز الأكاديميين في الجامعة (رئيس جامعة، وكيل جامعة، عميد، رئيس قسم وغيرهم) كما أن لديه القدرة في تحديد أولويات القضايا ووضع خطط عملية قابلة لتحقيق عدة أهداف؛ أهمها تحسين جودة التعليم وما يرتبط به، إضافةً إلى خلق بيئة تساعد الأكاديميين على تنمية قدراتهم.

هناك فجوة ثقافية بين الفكر والممارسة خصوصًا لدى الأكاديميين غير المتخصصين في علم القيادة، ولعل تبادل الخبرات مع الزملاء والزميلات الممارسين للأدوار القيادية حاليًا أو من سينضمون مستقبلًا يعتبر أحد الوسائل لتقليص هذه الفجوة. عليه فإني أشارك هنا ثماني ممارسات متنوعة المستويات، وأرى أنها فاعلة إذا اجتمعت في القائد الأكاديمي منطلقًا من القراءة والتعرض لبعض أنشطة التنمية المهنية في القيادة، إضافةً إلى ممارسة أدوار قيادية متنوعة في إحدى الكليات الصحية لمدة تزيد قليلًا عن نصف عقد.

بالإمكان تلخيص الممارسات فيما يلي:

1. الوعي بأن جوهر القيادة المتعارف عليه يتمثل في القدرة على التأثير، فمن خلال توجيه سلوك الآخرين نحو تحقيق أهداف مشتركة. ربما الأمثل اليوم هو التقليل من التركيز على مفهوم التأثير بشكل مفرط مع حشد الجهد لتحقيق تفاعل متكافئ بين طرفين هما القائد والمرؤوسين. والهدف من ذلك هو الوصول إلى رغبة ملحة متبادلة بين الطرفين للقيام بالمسؤوليات المشتركة للمنظمة التي يعملون بها.

2. قيادة من دون وجهة محددة وحشد متميز من فريق العمل وشغف لتحفيز مستمر ومرونة تناسب المستجدات المفاجئة هي قيادة تائه وضاع قائدها وأتباعه مبكرًا.

3. المتوقع من القائد أن يوجه معظم اهتمامه اتجاه القضايا التطويرية والاستراتيجية ويقلل إلى أقصى حد ممكن من قوة السلطة.

4. القيادة لا تعني الابتعاد التام عن ممارسة الأعمال الإدارية التنفيذية من تخطيط وتعامل مع الميزانية وتشغيل ومعالجة التحديات البسيطة. القائد الأكاديمي يتابع سير العمل من خلال ممارسة الإدارة التفصيلية، ولكن في إطار محدود.

5. تمكين الفريق من خلال التفويض المتزن والثقة فيهم مطلب؛ لذلك على القائد أن يتجنب التفويض الوهمي والمتمثل في إيهام المرؤوس بأنه مفوض للقيام ببعض المهام. ثم يليها تدخل مباشر ومتابعة دقيقة من قبل القائد بحجة التأكد من الإنجاز.

6. الإسهام الفاعل في بناء القيادات اللاحقة يضمن تنامي أهداف وتطلعات المؤسسة التعليمية وممارسة ذلك يشير إلى قمة الوعي لدى القائد. لا ينبغي نسيان أو محاولة تناسي ذلك لتقليل فرص دخول قادة جدد.

7. حب الذات والسيطرة على الآخرين ربما تكون سلوكيات لدى القائد وتظل ضمن الممارسات الصحية شرط أن تكون على نطاق ضيق جدًا وليست على حساب أهداف المؤسسة التعليمية. المرفوض هو لبس القائد لقناع ظاهره «الحرص على متابعة سير الأعمال» وباطنه «تمركز واضح حول النفس وتهميش لمنجزات الآخرين».

8. القائد ليس بالضرورة أن يكون متربعًا على هرم الهيكل التنظيمي لكي يتمتع بالصلاحيات ويحقق الأهداف. بما أن البيئة الأكاديمية تضم مستويات قيادية متعددة ومختلفة في خصائصها وتحدياتها والأكاديمي أينما وجد لديه الفرصة دومًا للمشاركة في تحقيق أهداف مؤسسته التعليمية.

تجدر الإشارة إلى أن ممارسة القائد لمهامه المتكررة من صنع القرارات وتنمية الفريق وإدارة الصراعات يزيد من احتمالية تعرضه لمسببات تهدد صحته النفسية والجسدية. عدم ملاحظة أثر تلك المسببات مبكرًا والسيطرة عليها قد يؤدي إلى الوصول إلى مرحلة «الاحتراق الوظيفي» والذي بدوره يؤثر على فاعلية القائد وتحفيزه للآخرين.

ختامًا، بما أن معظم الأكاديميين مارسوا مهام إدارية أو قيادية سمتها الثابتة أنها خارج التخصص العلمي غالبًا وسمتها المتغيرة أنها متجددة الأساليب. عليه فإن تعلم القيادة وممارستها معًا في الميدان لها وقع خاص في بناء المهارات وتأصيلها، وهذا لا يعني الترفع عن الاستفادة قدر المستطاع من الدورات المهنية المناسبة. الإحسان في أداء المهام وتطبيق الممارسات الثمانية يترتب عليه بناء مستقبل فاخر للقائد الأكاديمي بإذن الله.