المواطن السعودي يمكنه بسهولة ملاحظة الصورة النمطية عنه عند السفر لمختلف دول العالم فعلى بحسب الدولة التي يسافر لها، فينظر له كملياردير في دولة ومتطرفاً في دولة أخرى ورجعي في دولة ثالثة وملتزم دينياً في دولة رابعة.
إن الفراغ الذي يتركه إهمال الدبلوماسية العامة لا يؤثر على المواطن فقط بل يمتد للحكومة ويتحول إلى عائق عند تنفيذ أهدافها الخارجية.
للتعامل مع هذه مشكلة اعتادت دول الخليج على الاستعانة بمستشارين وشركات علاقات عامة لتحسين صورهم التي تم تشكيلها من طرف آخر سواء كان إعلاماً غربياً أو حملات من دول معادية أو جماعات إرهابية بسبب غياب الدبلوماسية العامة. غالباً تكون الاستعانة بخبراء وشركات العلاقات عامة الغربية للتعامل مع أزمة بعد وقوعها.
إن عدم معرفة الأمريكان بالسعوديين وثقافتهم وأطباقهم وفنونهم يوم 10 سبتمبر 2001 جعل من السهل تكوين صورة سوداوية وسلبية عنهم في اليوم التالي بعد أن تم إعلان جنسيات منفذي هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.
المشكلة أن تلك الصورة أضرت السعوديين في الخارج من مقيمين ومبتعثين وسياح وصار كل سعودي ينظر له بعين الاتهام حتى تثبت براءته، الأسوأ من هذا هو أن الضرر تعدى الاشتباه والمضايقات والعنصرية والتفتيش الدقيق للسعوديين في المطارات فصار من الضروري معالجة هذه الأزمة التي خلقها 15 فرداً متطرفاً لدولة كاملة.
مع ذلك الدبلوماسية العامة ليست حلا سحريا يجعل الشعوب الأخرى يحبونك، ولكنها أداة تساعد الحكومات على تحقيق أهدافها الخارجية.
شاهدنا جميعاً التناقض في ردود فعل في الدول الغربية عند الحديث عن ضحايا الحرب في أوكرانيا وضحايا الاحتلال في فلسطين، أو بين وصفهم للاجئين الأوكرانيين واللاجئين السوريين. أنه من الأسهل على عضو الكونغرس الأميركي أن يقدم خطاباً طويلاً ضد صفقة بيع أسلحة للسعودية بحجة حقوق الإنسان لكنه في الوقت نفسه يؤيد تزويد إسرائيل بمساعدات سنوية حتى ولو كانت مستمرة في بناء المستوطنات غير القانونية وفي قتل وتهجير واعتقال مزيد من الفلسطينيين. عضو الكونغرس يعي أن استمراره في المنصب يعتمد على أصوات الناخبين ويعي أن هجومه على السعودية يحقق رضى الناخب أو على أقل تقدير يتفادى احتمالية سخطه وذلك بسبب الصورة النمطية التي تكونت لدى الناخب عن السعودية.
إن وجود صورة إيجابية لدى الشعوب الأخرى يسهم في تعزيز مواقف وأهداف الدول. الجدير بالذكر أن الدبلوماسية العامة ليست عبارة عن مشروع تسويق للدول بل هي أشمل. الحكومات تستطيع تسخير مزاياها في ممارسة الدبلوماسية العامة لكنها لا تستطيع التحكم بشكل كامل فيها، فالدبلوماسية العامة تعتمد بشكل أساسي على سياسات الدولة الخارجية والداخلية وعلى ممارسين حكوميين وغير حكوميين.
الشركات على سبيل المثال تمارس دوراً في الدبلوماسية العامة فإذا كانت الدولة قادرة على إيجاد شركات ومنتجات متميزة ويمكن تصديرها للعالم فهذا يعني أن تلك الشركات أو المنتجات صارت جزءا مؤثرا من الدبلوماسية العامة. كذلك وجود برامج تبادل الطلاب أو معاهد تعليم لغة البلد يجعل من الطلاب والمعاهد جزءا من الدبلوماسية العامة كلما تحسنت تجربتهم انعكس ذلك على القوة الناعمة للدولة.
اللاعب البرازيلي إلتون خوزيه عاد للبرازيل بعد احترافه مع نادي النصر السعودي وأسس أكاديمية لكرة القدم جعل مبناها باللون الأخضر ويلبس اللاعبون فيها قمصان المنتخب السعودي بسبب حبه وتعلقه في تجربة العيش في السعودية وبين السعوديين.
تجربة إلتون مثال جيد على أن الدبلوماسية العامة لا يمكن التحكم بها دائماً ولكن يمكن تطويعها من خلال فهم أثرها وتوفير البيئة المناسبة لخلقها. نجد في السنوات القليلة الماضية أن عديداً من الجهات الحكومية في السعودية ومختلف دول الخليج أصبحت واعية بأهمية دورها في توفير بيئة خلاقة لتفعيل الدبلوماسية العامة. أحد الأمثلة هو ما قامت به وزارة الداخلية أخيراً حيث أرسلت رسالة نصية للمواطنين تقول فيها إن "احترام الثقافات الأخرى يسهم في ترسيخ الصورة الإيجابية عن المجتمع السعودي الأصيل ويعزز التقارب والتفاهم معهم". في الختام، يجب إيضاح أن مصطلحي القوة الناعمة والدبلوماسية العامة رغم كثرة تردد استخدامهما في السنوات الأخيرة إلا أنهما ما زالا مفهومين ناشئين على المستويين النظري والعملي. من المهم أن تنبع الدبلوماسية العامة من الداخل المحلي لأنها يجب أن تعبر عن عمق الثقافة ولأنها عملية طويلة المدى ولا يوجد إجابات حتمية أو استراتيجيات جاهزة يمكن استيرادها وتطبيقها كما هي.
المهم هو أن تبادر الدول بتجهيز بنية جيدة لممارسة الدبلوماسية العامة والتجربة والإبداع مع القياس المستمر للنتائج. ولأنها عملية إبداعية فهناك دائماً احتمال لفشل استراتيجية أو مشاركة أو حملة معينة، إلا أن الفشل الحقيقي والهدر للفرص يكون من خلال تجنب تفعيل الدبلوماسية العامة كما يردد الباحث "نيكولاس كول" دائماً.