بالغ الشاعر المتنبي في المدح، وأطلق العنان لخياله حين شبه الردى بمن أخلد إلى النوم، فلم يبصر سيف الدولة، وأعرض عنه وهو واقف في ساحة معركة شديدة وحامية.

«وقفت وما في الموت شك لواقف... كأنك في جفن الردى وهو نائم».

حتى وإن كان ذلك من باب الاستعارة والتشبيه، فالحقيقة أن الموت لا ينام ولن يغمض عينه إذا حان الأجل.

في عصرنا الحاضر نلاحظ، تقارب حالات العزاء، وتباعد التواصل بين الأقرباء، وتذبذب نبضات الوفاء، ومع هذا نقرأ في ملامح بعض المعزين سطور الصدمة المؤقتة، مغلفة بنبرة الحسرة والألم على الفقيد، نسمعهم يتساءلون: لماذا بخلوا بالسؤال والاطمئنان عليه قبل موته؟ كيف تغافلوا عن أصدقاء وجيران وزملاء عمل، كشرت لهم الدنيا عن أنيابها، يقاسون ألم المرض وصمت العزلة ومعاناة الحاجة؟.

قد يكون سبب الجفاء بين الناس هروبهم وتسويفهم من الإجابة عن سؤال يصدمهم، وهو: كم مضى من العمر يا ولدي؟ ونظلم نفوسنا حين نعتقد أن الردى في غفلة عنا، ونتسلى بمقولة «الشباب شباب الروح».

رحم الله الشاعر الدكتور غازي القصيبي الذي قال:

«يا أيها الكهلُ في المرآة لو نظَرت

عيناكَ أبصرتَ إخفاقَ المعاجين»

أعتقد أن الوقت حان لنسجل الإجابة الصادقة على أوراق أيامنا القادمة، وهي فرصة عظيمة بحلول شهر رمضان المبارك، لنزداد قرباً من الله سبحانه وتعالى، ونستفيق من سُباتنا على سُرر العوالم الافتراضية وتطبيقاتها، ونتطهر من أدران التواصل الإلكتروني المنزوع منه وعنه جميع المشاعر الإنسانية الصادقة، ومن ذلك رسائل التعازي والتهاني التي نستخدم فيها النسخ واللصق، ونرسلها بكل صفاقة، ولا نُجهد أناملنا وعقولنا على الأقل بكلمات مختلفة، فيكون وقعها عند الشخص الذي نهنئه أو نواسيه خيبة وصدمة، إذا قرأها، «كرسائل محولة» صيغتها واحدة بأخطائها وسماجة أسلوبها.

ومن الواجب أن نُعيد أسلوب حياتنا، ونمد جسوراً من التواصل الحقيقي وجبر الخواطر، فكم شهور مضت من عامنا ومضى معها راحلون كُثر؟، ومن المؤكد أن الإنسان «لامحالة حيث صار القوم صائرُ ولا يبقى من الباقين غابرُ.. كما قال قس بن ساعدة» بمعنى أن جفن الموت لا ينام عنا، وهو الشيء الوحيد الذي نفر إليه ليقابلنا، وصدق الله العظيم القائل«قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه مُلاقيكم» اللهم ارحم ضعفنا وأقل عثرتنا واجبر كسرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم جملنا بالشيمة والمعروف وتقبل الصيام والقيام. وارحم أمواتنا، اللهم احفظ بلادنا وقيادتنا وأدم علينا نعمة الأمن والأمان.