حين يتمدد المريض على السرير الأبيض داخل المستشفى، تصدمه المكاشفة الصامتة داخل نفسه وتُلقي أمامه أحمالاً من ضعفه وانكساره.

ويُعَرف المرض بأنه العِلة التي عُلم نوعها أما الداء فهو الذي اختلف الأطباء في تشخيصه، بينما السقم لا يُرجى علاجه.

هُنا يختفي جبروت الإعجاب المقترن بسراب الأضواء وغرور الدنيا، فتطوقه حُمى الأسئلة المنسية كيف مرت أعوام العمر مسرعة؟ كم من المحطات وقف عليها ولم يأخذ منها العبر والاعتبار؟ ألم يوبخه جفاف الأيام وقلق الليالي وانحناء العُمّر؟.


هل استوعب ما قرأه يوماً للحسن البصري رحمه الله حين قال.«مسكين ابن آدم، محتوم الأجل، مستور العلل، مكتوم الأمل، يتكلم بلحم، ينظر بشحم، يسمع بعظم، أسير جوعه، صريع شبعه، تؤذيه الحشرة، تنتنه العرقة، تقتله الشرقة، لايملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا.»

وسط هذه الموجات العاتية من نزيف اللحظات، وبعد أن حسم الأطباء أمرهم في إجراء عملية جراحية سطعت على جوانب روحه قبسات من أنوار الرجاء في الله جل شأنه، فهو وحده الشافي ليرتقي معها التفكير نحو الموت بتسليم، ومحبة صادقة في لقاء الله.

يقول الكاتب فيصل أكرم في كتابه نصف الكتابة «كلما كبرت الطُمأنينة إلى الموت صغُر القلق من الحياة، وهذا ينسخ عبارة قلتها سابقاً إن الحزن طُمأنينة والفرحة قلق»

في يوم العملية الموعود الذي تشبه مشاهده موت الإنسان، فهو لم يعُد يملك من أمره شيئاُ وقد أتى من يُعقمه بعد الغُسل وارتداء ثوب يشبه الكفن، ومن ثم نقله على سرير متحرك كالتابوت يدفعه كوكبة من الممرضين، باتجاه غرفة العمليات وهو يسمع أدعية الناس في الممرات وتمنياتهم.

وكلما دنت المسافة من الفريق الطبي حطت عليه السكينة، وتعاظمت في خلجات نفسه رحمات الله ولطفه.

في تلك الأوقات الرهيبة يفقد الوعي تماماً بفعل التخدير لساعات، وبأمر الحي القيوم يعود إليه وعيه وحواسه بالتدريج ليمكث بعدها أياماً تحت الملاحظة الطبية، ثم يغادر إلى منزله وقد من الله عليه بالعافية.

هذه العودة من جديد رسخت في أحاسيسه أكثر من ذي قبل حق اليقين، وأشعلت مصابيح الطريق المستقيم وجعلته يزاول برنامجه اليومي المعتاد، في همة ونشاط وعافية، بعد أن ألقى وراء ظهره مشاكل الحياة والهموم والرياء ومطاردة الدنيا على حفنة مال أو انتظار كلمة مدح وإعجاب، وأضواء أو «ترزاز» هنا وهناك.

ما أجمل أن ندرك أن الابتلاء بصبر واحتساب يدخل في تكفير الذنوب ورفع الدرجات عند الله.

وصدق من قال«لولا المرض لافترست الصحة والعافية أجمل نوازع الرحمة والإحسان في الإنسان.»

اللهم أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، ألبس جميع المرضى ثياب الصحة والعافية.