من هذه العوامل النظرة الضيقة التي تغلب المصلحة الذاتية الشخصية على حساب العمل، دون اكتراث بالعواقب، منزوع من داخلها الحس الديني والوطني، وهذا العامل لا يظل في حدود ضيقة، بل يمتد إلى الذاتية الجماعية التي يغريها الطمع والجشع، فتقع في وثنية القبيلة الذي نرى أثرها في اكتشاف بؤر الفساد التي تظهر على السطح بين فينة وأخرى.
الحصيلة لدينا ﻻ تتوقف عند ضيق الأفق وفق المصالح الشخصية، بل تتعدى إلى العامل الذي يمكن أن نطلق عليه أنه متجذر بشكل مدمر في بيئة العمل، وهو العامل النفسي الذي يظهر عبر الحسد والغيرة، التي هي متفشية في أكثر أعمالنا، وتزداد اشتعالا عندما تكون هناك مكافآت أو ترقيات، تكون مستحقة في مجال العمل. قد يقول البعض إن هذا من الفطرة البشرية، ولكن إذا كانت بدرجة عالية من التأثير، فإن العمل سوف يفقد جديته وإنتاجيته.
وقد ﻻحظت هذا في الكثير من القطاعات عبر ما يدور في اللقاءات والمناسبات المختلفة من أحاديث جانبية، حيث يكون جل الموضوع في الغالب بهذا المحور الذي يتكرر بشكل دائم، ويتعمق أحيانا في التشخيص أكثر من العقل والأفكار التي هي المقياس الحقيقى لشخصية أي فرد، ولكنها تبقى مع الأسف مترسبة بحكم التعصب القبلي الفج، الذي يغوص أحيانا في دائرة اﻻنتماء، بينما نظرة التفوق تصاحبها دونية وازدراء لمن هو خارج هذا اﻻنتماء، وهو ما ﻻ شك في أنه معول هدم لروح بيئة العمل الجماعي.
سوف أعطى مثالا على دولة إسلامية، نشأت وبلغت درجة متقدمة في المستوى اﻻقتصادي، ويشار إليها بالبنان، وهي ماليزيا، فلو رجعنا للتركيبة السكانية لهذه الدولة لوجدنا أنها تتكون من عدة أعراق، ولكنها ابتعدت عن الإثنية، وصار فيها انصهار بين هذه الأعراق في بوتقة واحدة، همها البحث عن الرقي الصناعي والحضاري، الذي أتمنى أن أراه في واقعنا العملي، فهو معيار حقيقي وشاهد على ذلك، فتخلت عن تلك النظرة الضيقة، وأقبلت بهمة وعزيمة، وبكل مكونات المجتمع الماليزي، على تحقيق التطلعات التي رسمت لبلوغ الهدف، وهو ما مكنها اليوم من أن تكون من النمور الآسيوية المتقدمة.
أتمنى من الله أن أشاهد هذه العزيمة والهمة والإصرار في وطني، لكي لا نكون محطة لتجارب الدول الصناعية، بل نكون نحن القدوة في كل نواحي الرقي المختلفة.