منذ عقود وهو يخطّ موسيقاه كما يخطّ الرسام لوحاته، بالألوان التي تتجاوز المألوف، وبالضوء الذي يمنح الصورة بعدها الأجمل، لم يكن مجرد عازف، ولم يكتفِ بحدود النوتة، إذ دخل إلى التوزيع الموسيقي كمن يدخل بيتًا يعرفه جيدًا، وأضاف إلى التلحين لمسته التي تجعل الصوت يحكي قصة، لا مجرد أداء جميل.
وفي المملكة حيث الموسيقى جزء من وجدان الناس؛ وجد عبدالمجيد مساحته الحقيقية، فتعاونه مع كبار الفنانين لم يكن مجرد تجربة، وإنما هوامش في كتاب التحولات الموسيقية التي عاشتها الأغنية الخليجية، عندما تستمع إلى ألحانه في صوت محمد عبده، أو تقترب من إحساسه في أغنيات عبدالمجيد عبدالله، تدرك أن الرجل لا يصنع مجرد لحن، فهو يبني مع الفنان علاقة من نوع خاص، لا تحدّها جغرافيا ولا توقّع.
وتحديدًا مع راشد الماجد كانت التجربة مختلفة، إذ لم يكن الملحن الذي يقدّم لحنًا وينصرف، وإنما المبدع الذي يفهم ذائقة المستمع، ويعيد صياغة الجملة الموسيقية بأسلوب لا يكرّر نفسه، أما أصالة فحكايتها معه تصلح أن تكون فصلًا منفردًا، إذ لم يقدّم لها ألحانًا عادية، فقد منح صوتها بعدًا إضافيًا.
من يستمع إلى أعماله يلاحظ أنه لم يكن يومًا أسير مدرسة واحدة، فقد جمع بين التراث والمعاصرة، بوعي من يعرف أن الزمن لا يتوقف عند مرحلة واحدة، ففي مقاماته الشرقية لم يكن تقليديًا، وفي توزيعه الحديث لم يذهب إلى حد القطيعة مع الجذور، ليظلّ على الدوام ذلك الموسيقي الذي يملك هويته الخاصة، فلا يشبه أحدًا، ولم يتماهَ مع ما هو سائد، لكنه أضاف إليه بعدًا لا يعرفه إلا من يفهم أن الموسيقى ليست مجرد صوت، وإنما إحساس متجدد مع كل تجربة.
ليس غريبًا أن يكون من الأسماء التي وجدت تقديرًا في المملكة؛ فالفن هنا لا يُعامل كمجرد صناعة، وإنما كحالة وجدانية مرتبطة بذاكرة المكان، وظل أميرنا في الحفلات كما في التسجيلات حاضرًا، يضع لمساته كما يضع المهندس حجرًا أساسيًا في بناء صلب.
الأسماء في الموسيقى كثيرة؛ لكن القليل منها يصنع فارقًا، وأمير عبدالمجيد من أولئك الذين لا يمرّون عابرين، وإنما يتركون أثرًا يظل يتردد بين المقامات، كما لو أن الزمن نفسه يصرّ على الاحتفاظ به.