كثيرًا ما نسمع أن التفكير نعمة، لكنه في واقع الأمر يبدو كعبء ثقيل عند البعض، بل وربما لعنة تلاحق من يجرؤون على التساؤل. فالمألوف يمنح راحة زائفة، أشبه بسكون المياه الراكدة، بينما الفكرة الجديدة تشبه حجَرًا يُلقى في هذا الركود، فيثير دوائر من القلق والرفض.

لماذا نُفضّل الجمود على البحث؟ لماذا يبدو الخروج عن المألوف تهديدًا بدلًا من كونه فرصة لاكتشاف الجديد؟

عالم الفكر ليس سهلًا، لكنه عالم جدير بالاكتشاف. هو أشبه برحلة في دروب غير مطروقة، حيث يختلط الخوف بالدهشة، وحيث يتطلب الأمر شجاعة لا يمتلكها إلا من رفضوا الاستسلام لقيود العادة.


كثيرون ينظرون إلى التساؤل كأنه خطرٌ يهدد استقرارهم النفسي، كأن الأفكار أسوار منيعة يجب أن تبقى على حالها، بلا تعديل أو مراجعة. لكنني لم أستطع قبول ذلك.

حين كنت أطرح سؤالًا مختلفًا، كنت أُقابل بالاستغراب، وكأن الفكر مغامرة خطرة.

لماذا نُغلق نوافذ عقولنا خشية أن يتسلل إليها ضوء فكرة جديدة؟ لماذا نتمسك بالقديم كأنه يقين مطلق؟ كأننا نخشى أن نكتشف أخطاءنا، فنُجبر على إعادة بناء ما اعتقدنا أنه ثابت.

لكنني لم أستطع البقاء عند هذه الحدود. كنت أشعر أن عقلي يولد من جديد مع كل فكرة لم تُقَل بعد، مع كل تساؤل يزلزل المسلّمات، ومع كل لحظة وعي تدفعني للخروج من دوائر الفكر المغلق.

أدركت أن الفكر الحر لا يهاب المجهول، وأن التجديد، وإن بدا غربة، هو الحياة الحقيقية. أما الركود، فليس إلا موتًا بطيئًا للعقل والنفس.

الحرية في التفكير ليست مجرد ترف، بل هي ضرورة، لأن من لا يسأل، ومن لا يبحث، يظل حبيسًا في عالم ضيق، يرى فيه الأشياء كما أخبره بها الآخرون، لا كما يمكن أن تكون في حقيقتها.

ربما كانت رحلتي مع الفكر مليئة بالتحولات، لكنها جعلتني أكثر وعيًا بأن الأسئلة ليست خطرًا، بل هي الحياة ذاتها.