«الكذب» أكثر السلوكيات تعقيدًا من الناحية الفلسفية، إذ يثير أسئلة جوهرية حول الحقيقة، الخداع، الأخلاق، والغاية التي لا تبرر الطريقة. كل الديانات والمجتمعات تعده سلوكًا غير أخلاقي، على الرغم من هذا، اختلف الفلاسفة في اعتباره شرا مطلقا، أم سلوكا ممكنا. الألماني إيمانويل كانط رأى أنه محرم أخلاقيًا بشكل مطلق، لأنه يرى أن القيم يجب أن تكون قابلة للتعميم، ليس فيها استثناء، الكذب يظل سلوكا مشينا وإن اختلفت أهدافه. بينما كان لجون ستيوارت مل، الفيلسوف والاقتصادي البريطاني، رأي مختلف، وهو أن القيم الأخلاقية تُحدد بناءً على النتائج وليس على المبادئ المطلقة، فالكذب قد يكون مبررًا إذا أدى إلى تحقيق منفعة عامة، مثل إنقاذ حياة شخص أو تجنب كارثة، فإذا كانت فائدته أكبر من ضرره، فهو مبرر أخلاقيًا.

في ديننا الإسلامي يُباح الكذب عند الضرورة، فالرسول لم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث «الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها، حديث ليس فيه خداع ولا ضرر»، بينما الاستمرار في الكذب والتعود عليه، يجعل الإنسان كذابًا في السموات والأرض.

من الممكن أن تكون مخطئًا من غير أن تكون كاذبًا، لكن العكس لا يصح، أن تتكلم بكلام لا تعلم أنه كذب هذا لا يجعل الإنسان كذابًا، ولكنه أقرب إلى الجهل منه إلى المعرفة. الكذب تحريف الحقيقة أو تقديم معلومات خاطئة بهدف الخداع، سواء كان ذلك بالكلام أو الأفعال أو حتى بالسكوت المتعمد لإخفاء الحقيقة، وهو سلوك مكتسب من البيئة يتعلمه الأفراد منذ الصغر. بعض الناس يطلقون ما معدله كذبة واحدة يوميًا وهذا يعتبر طبيعيًا، إمّا خوفًا أو تملقًا أو ربما تجملًا. وكثير من الناس يمارسون الكذب في تسويق منتجاتهم، وقد يتطور ليصبح عادة يصعب التخلص منها. وهناك كذب خيالي، عادة يكون عند الأطفال من عمر ثلاث سنوات إلى أربع سنوات ويبلغ ذروته في عمر الخمس سنوات، وهذا نتيجة نمو مخيلته، فيحكي عن قصص لم تحدث بل هي وليدة خياله، وهذا أمر لا يثير الريبة، حيث إنه ينتهي غالبًا في هذا العمر، أعني الكذب الخيالي، وهو أمر طبيعي للغاية.


وفي المقابل، هناك أشخاص يكذبون كثيرًا، أي بمعدل 10 أكاذيب يوميًا أو تزيد، ولا يستطيعون التوقف، هنا يصبح الأمر غير طبيعي وقد يحتاجون إلى علاج، وهو «الكذب المرضي»، وهذه مشكلة لا يمكن التغلب عليها بسهولة، وهو ما يعرف بـ«هوس الكذب». يُعرّف الأطباء النفسيون الكذب المرضي بأنّه اضطراب نفسي، ظهر منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومع ذلك يقول الخبراء إنه لم يلق اهتمامًا جادًا، ولم يحظ بدراسة حقيقية، لأنه لا يُشخص كمرض بحد ذاته، بل كإحدى سمات التشخيصات الأخرى، كالاضطرابات الشخصية، وما زال العمل على إدراج مسمى الكذب المرضي كتشخيص مستقل للاضطرابات النفسية مستمرًا، ولا يُعرف له علاج فعال، لكن قد تفيد معه مهارات العلاج السلوكي المعرفي. وأكثر من يعانون من هذا الاضطراب يعيشون حياتهم دون أن يطلبوا مساعدة من أي جهة نفسية أو اجتماعية، يتعايشون مع واقعهم، ويألفهم الناس بهذه الصفة، بالذات حكايات بطولاتهم وإنجازاتهم غير الحقيقية. ومثال على ذلك، السيرة الذاتية المضللة والكاذبة للنائب الجمهوري الأمريكي «جورج سانتوس» التي أدت إلى طرده من مجلس النواب.

من النادر العثور على شخصية عامة تكذب كثيرًا لأنه من السهل اكتشاف ذلك، وكأن ليس في الكذب نجاة، ولكن في أيامنا هذه كثير من الشخصيات العامة تتجمل بالكذب، وليتهم يعرفون أن الكذب خيبة، وأن في زمن الإنترنت ليس هناك كذبٌ متقنن أويمكن أن يختبئ!