خذ مثالاً آخرًا، رجلان من ثقافتين مختلفتين؛ أحدهما من أمريكا اللاتينية؛ والآخر من شرق آسيا؛ تعرضا لموقفٍ في منتصف الليل للتعامل مع امرأة تحملُ بعض النقود، أحدهما سيعتبر الموقف فرصةٍ لسرقةِ هذا المال، أمّا الآخر فسيرى الموقف فرصةٍ لعملِ الخير في مساعدة هذه السيدة إلى أن تصل لمنزلها بسلام! مثال ثالث، شاب يافع، متطرف دينيًا، خرجَ يتسكّع بالشارع آخر الليل في مكانٍ يمر بقلاقل طائفية؛ وشاهدَ عجوزًا من ديانةٍ مختلفة يمشي ببطءٍ على عصا، هذا الشاب المتزمت، سيرى أن من العقلانية «اقتناص» الفرصة لإنهاء حياة هذا الشيخ العجوز! لماذا؟ لأنّ ما تم حشوهِ به و هو طفلٌ صغير؛ أن من كانَ مخالفًا لك في الدين، والعقيدة؛ فهو بالضرورة يستحق الموت، وهذا ما فعله هذا المتطرف!
بينما شابٌ آخر نشأَ على تعاليم بوذا التي تدعو للسلام، ونشر المحبة، وتقبل الآخر، فإنَّهُ سيرى الموقف فرصةً لإثبات ما لقنه وهو طفل، سيأخذ بيد العجوز إلى حيثُ يريد. أين تحكّم العقل في تصرفاتنا كبشر في مثلِ هذه المواقف؟ العقل تصرف وفقَ معطيات وتعليمات وعقائد شحن بها قبل أن يكتملَ، فيقرر كيفية اتخاذ القرارات العقلانية! العقل غير عقلاني؛ والشعوب للأسف الشديد لا تريد تصديق هذه المقولة فتتنفّس الصعداء من خطابات الكراهية، والإقصاء، والاستعلاء! فالشعوب دائمًا تريد أن تبقى تتوارِثَ تخلفها، ورجعيتها، التي تُطْلِق عليه «تراثا»! يا لتعاسة البشرية!