يقول عالم النفس السويسري كارل يونج، الذي «شبَّه» هذه الفتنة الطائفية ــ النفسية ــ بأن الشخص قد يكون انطوائيًا وانبساطيًا في آن واحد، ولكن دائمًا ما تطغى إحدى هاتين السمتين على الأخرى. ويرى أن الانطوائي يركز على ذاته (لله دره) بينما الانبساطي يصب تركيزه على العالم من حوله. كما أوضح أحفاد كارل يونغ في جمعية علم النفس الأمريكية أن الانطوائي، أطال الله بقاءه، يفضل البقاء في دائرته الخاصة بعيدًا عن القيل والقال وكثرة السؤال. وأنه ــ عدّاه العيب ــ ليس مريضًا نفسيًا أو خجولًا أو مفتقدًا للثقة كما يظن الكثيرون. لقد اختار بمحض إرادته أن يعيش حياته ونجاحاته وإخفاقاته بعيدًا عن الأضواء والضوضاء، مكتفيًا بعدد محدود من العلاقات والصداقات التي انتقاها بدقة. أي أن الانطوائي «انتقائي» أيضًا، فهو لا ينسجم مع «كل من هبّ ودبّ» ــ وإياكِ أعني فاسمعي يا جارة ــ وليـَمُت بغيظهِ كل انبساطيّ حاسد ناقد، فقد كشف علم الأعصاب عن اختلافات مذهلة في نشاط الدماغ لدى الانطوائيين مقارنة بالانبساطيين. حيث لاحظ الباحثون أن القشرة الجبهية الأمامية للدماغ، وهي المسؤولة عن التأمل الذاتي واتخاذ القرار والتخطيط والتفكير المجرد، تبدو أكثر نشاطًا لدى الانطوائيين منها لدى الانبساطيين.
وعلى كل حال، يبدو أن الراحل كارل يونج نسي أن يذكر في مؤلفاته أنه لا يقضّ مضجع الانطوائيين إلا تلك الفئة الانبساطية «المُنشَـكِحة» ــ كما يقول إخوتنا المصريون ــ والتي تظن أنها فئة «الناس العِشَرِية.. أصحاب أحلى نفسية» التي تغنى بها أحمد سعد، فتجدهم يخرقون قوانين «الإتيكيت» ويتسلقون جدران الخصوصية ثم يقتحمون حصون الانطوائيين الآمنين وهم مدججون بحُجّة السؤال عن الحال!
«وآخر دعوانا أنْ يكفينا الله شر العشريين الحشريين».