بالأمس اختتمت فعاليات منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع تحت عنوان «استكشاف مستقبل الاستجابة الإنسانية»، تحت رعاية رائد العمل الخيري على مستوى العالم، مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، ومشاركة نخبة من القادة والمانحين والعاملين والخبراء من مختلف دول العالم، بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية.
وجاء المؤتمر الذي تزامن انعقاده مع مرور 10 سنوات على تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ملبيًا للتوقّعات، حيث ناقش التحديات كافة ذات الصلة، وشهد جلسات حوارية رفيعة المستوى سلّط فيها الباحثون والمختصون من داخل المملكة وخارجها الضوء على أحدث التطوّرات حول دور الدبلوماسية الإنسانية في النزاعات والكوارث، ووصول المساعدات الإنسانية وسلال الإمداد، ومعالجة النزوح في عصر الصراعات المتزايدة والكوارث الطبيعية، بما يسهم في تقليل الآثار الجانبية على أصحاب المصلحة.
بدءا لا بد من التطرق للدور الكبير الذي ظل يلعبه مركز الملك سلمان الذي لم يمض على تأسيسه سوى 10 أعوام استطاع خلالها أن يصبح رائد العمل الخيري على مستوى العالم، ومظلة تنضوي تحت لوائها العديد من المؤسسات العالمية المماثلة لتنسيق العمل الخيري، وضمان التوزيع العادل للمساعدات. كما أصبح وجهة رئيسية لتجويد العمل ومأسسته وحوكمته، وارتبط اسمه بالأمل في نفوس الفئات المستهدفة التي تتطلع لغدٍ مشرق.
لذلك شكّل منذ انطلاقته بداية لمرحلة جديدة في مسيرة العمل الخيري، ليس في المملكة فحسب، بل في العالم أجمع، بعد أن استحدث آليات عصرية وأوجد مفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل، مثل تشجيع الأسواق المحلية، وتنشيط التجارة الداخلية، وإيجاد فرص عمل موسمية ومستمرة في الدول المعنية بالمساعدات.
كما أولى اهتماما خاصا لتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الأكثر تأثرا بالكوارث الطبيعية، عبر مشاريع مبتكرة مثل إنشاء الملاجئ وتطوير المستشفيات وبناء المدارس، وهذه المجالات لم تكن تجد الاهتمام الكافي في السابق، حيث كان العمل الإنساني مجرد مساعدات غذائية وطبية يتم توزيعها بطرق عشوائية، لكن المركز أولاها اهتمامه وعنايته ضمن مساعيه لتطوير المفاهيم وتوسيع قنوات الدعم.
وجاء انعقاد المنتدى في توقيت بالغ الأهمية، تواجه فيه المجتمعات الإنسانية تحديات غير مسبوقة تتمثل في تزايد النزاعات مما يتطلب استجابة أكثر كفاءة تضمن زيادة قدرة المنظمات الإنسانية على إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفئات الأكثر احتياجا. كما تبرز أهمية تبادل الخبرات والأفكار لتطوير أساليب العمل بحيث يشمل تفعيل التعاون والترابط بين المؤسسات الدولية المختلفة لتحقيق الاستدامة والتنمية الشاملة، وتطويع التقنية.
ولأننا نعيش عصر التحول الرقمي الكامل ركز المنتدى على كيفية الاستفادة من مخرجات الذكاء الاصطناعي التي دخلت كل جوانب حياتنا، فهي تمتلك قدرة مدهشة على تحليل البيانات وتحديد الأولويات. لذلك تمت مناقشة كيفية توظيف هذه التقنيات لتحسين فعالية العمليات الإغاثية، وتطوير حلول مبتكرة للتحديات الإنسانية.
كذلك فإن التركيز على الدبلوماسية الإنسانية في النزاعات والكوارث كان نقطة جديرة بالاهتمام، حيث تم تسليط الضوء عليها خلال فعاليات المنتدى، فتمت مناقشة دورها في إدارة الأزمات والصراعات، وتنسيق الجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية بفعالية. إضافة إلى الاهتمام بالوصول الإنساني وسلاسل الإمداد واستعراض التحديات والفرص المتعلّقة بوصول المساعدات الإنسانية، وتحسين كفاءة سلاسل التوريد لضمان وصول الإغاثة إلى المستفيدين في الوقت المناسب.
ومن القضايا التي أولاها المنتدى اهتمامه معالجة النزوح الناتج عن الصراعات المتزايدة والكوارث الطبيعية، ووضع إستراتيجيات فاعلة للتعامل مع هذه القضية، وتقديم الدعم للنازحين واللاجئين في مختلف المناطق المتأثرة. إضافة إلى بحث كيفية تفعيل التطوع الإنساني الدولي، ومناقشة آفاق وتطلعات العمل التطوعي في المجال الإنساني، وتعزيز مشاركة المتطوعين في تقديم المساعدات والإغاثة.
هذه النقطة بالتحديد تكتسب أهمية كبرى في ظل تنامي الاهتمام العالمي بالأدوار الرائدة لمنظمات المجتمع المدني، والمصداقية الكبيرة التي تتمتع بها لدى مراكز صنع القرار العالمي، وقدرتها على التحرك بسرعة وسهولة وسط الفئات المستهدفة.
وعلى وجه العموم، فإن المنتدى لم يكن مجرد فرصة للحديث وتبادل الأفكار والآراء ووجهات النظر، بل كان بمثابة خارطة طريق عملية وفريدة لتطوير إستراتيجيات جديدة، وتعزيز استخدام التقنيات الحديثة في مجال المساعدات الإنسانية، وكيفية توظيفها لتحسين كفاءة الاستجابة الإنسانية في ظل الأزمات الإنسانية المتزايدة.
مرة أخرى أجدد القول إن مركز الملك سلمان للإغاثة أفلح في ترسيخ اسمه على خارطة العمل الإنساني وأصبح رائدا من واقع العمل الكبير الذي قام به خلال سنوات قلائل منذ إنشائه، والأساليب العلمية التي يتبعها، والشفافية الكاملة التي تحكم أسلوب عمله، وابتعاده عن حسابات السياسة ودهاليزها، وهو ما دفع الأمم المتحدة لتصنيف المملكة ضمن أكبر الدول الداعمة لمؤسساتها المختلفة.
لذلك لم يكن غريبا أن يحصد المركز، خلال العام الماضي، جائزة الإنجاز الإنساني العالمي المقدّمة من المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، وجائزة المؤسسات الصديقة للأسرة والطفولة المقدمة من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تقديرا لأفكاره المتقدمة وممارساته المتميزة وأساليب عمله الاستثنائية واتباعه لقيم أساسية تتمثّل في الشفافية والجودة، وعدم ربط المساعدات الإنسانية بأي اعتبارات سياسية أو دينية أو مذهبية. لذلك أصبح واجهة مشرقة لمملكة الإنسانية.