«كدمة هنا، وأثر حرق هناك، وآثار لعنف على أجساد صغيرة».. كلها مؤشرات تثير القلق وتبعث على الريبة حين نجدها على جسد طفل صغير، فكيف إن وجدت على جسده وقد فارق الحياة.

في الآونة الأخيرة شهدنا حالات لعنف منزلي يمارس ضد الأطفال، ويودي بحياة بعضهم، ما يضع بعض الأسر والأهل في دائرة الشك، ويثير الأسئلة عن دور المدارس، والمؤسسات العامة التي يمكن أن تمر عليها حالات تعرض الأطفال للعنف، أو على الأقل الاشتباه بها، وهل بات من واجبها الإبلاغ عن تلك الحالات، أم أنها تكتفي بموقف عدم التدخل.

وتثير هذه الحالات التساؤل عن الأثر المطلوب الذي يفترض اتخاذه في ظل أن الأنظمة السائدة في المملكة تعد السكوت أو التستر عن مثل هذه السلوكيات السيئة بمثابة المشاركة فيها، وتدعو إلى الإبلاغ عن كل ما يمس أمن وسلامة المواطن، صغيراً كان أم كبيرًا.


وفي وقت يفترض أن تكون المنازل فيه «بيوتًا دافئة» تبعث على الإطمئنان، فإن بعضها تحول إلى مصدر خوف ورعب قد ينتهي بالموت؟

وبالرغم من أن حالات العنف المنزلي المفضي للموت بحق الأطفال ما تزال مجرد حالات نادرة جدًا في المجتمع السعودي، فإن حدوث أي منها يقرع جرس الخطر ويعيد التركيز على دور الجميع في التعامل والتنبيه إلى مخاطر هذا العنف، سواء كان من قبل المؤسسات التي يتعامل معها الطفل مثل المدرسة، والمستوصف، أو حتى من قبل الجيران والأقارب والمعارف وغيرهم.

مصدر حب أم خوف؟

يقول الاختصاصي النفسي فؤاد المشيخص «من أصعب الظروف التي تمر على الطفل هي لحظات تعرضه إلى إيذاء ممن هم مستأمنون عليه، وحين تتحول الأسرة من أن تكون مصدر أمان واطمئنان وحنان وحب إلى محطة عنف وإيذاء تصبح حياة الطفل جحيمًا».

وأكمل «من المثير للأسى ألا يجد الطفل من يشعر بألمه، أو من يلوذ به بعيدًا عن سطوة الوالدين أو الأخوة حال التعنيف».

وأكد أن «التصدي لعلاج حالات العنف واجب يفرضه النظام على كل من يعرف ويعلم أو حتى يشك بأي حالة عنف سواء كان عنفًا لفظيًا أو نفسيًا بكل صوره جسديًا أو جنسيًا وحتى لو كان على مستوى الإهمال».

وأضاف أن «التصدي للعنف يبقى مسؤولية مجتمعية عامة، ولا بد من العمل على زيادة الوعي بآثاره، واعتماد التصدي له كقاعدة ثابتة وسياسة واضحة يجب العمل بها في جميع الجهات ذات العلاقة، إضافة إلى اعتماد برامج تغيير سلوك المعتدي سعيًا نحو ضمان استقرار العائلة ومستقبل أطفالهم في إشارة إلى محاولة علاج المعتدي والخروج به من الدائرة النفسية المظلمة التي تحوله إلى شخص على هيئة وحش أمام طفل صغير، أو الإبلاغ عنه للجهات الأمنية، وذلك للحد من التعديات والممارسات غير السوية في تعامله مع من هم أضعف منه».

واجب إنساني ورسمي

يوضح المشيخص «في نظام حماية الطفل من الإيذاء يقوم النظام الحكومي الرسمي بتحميل كل جهة ذات اعتبار المسؤولية في الحماية سواء كانت مستشفى، أو مركزًا صحيًا، أو حتى مدرسة، وكذا الحال على مستوى الأشخاص سواء كان مقيمًا، أو مواطنًا سعوديًا عليه في حال معرفته أو علمه، واطلاعه على دلائل التعنيف أن يقوم بإبلاغ الجهات المسؤولة عن مباشرة حالات العنف الأسري لضمان سرعة التدخل وحل الأمر».

وأكمل «يولي النظام السعودي أهمية كبرى لحماية الطفل من كل أمر يوثر عليه سلبًا سواء في محيطه الداخلي أي داخل البيت أو خارجه، كما يحث النظام في مواد الحماية الموضوعة بعناية واهتمام أن يعطى الطفل الأولوية من حيث تمكينه من حقوقه كافة على جميع الأصعدة بما فيها سلامته، من هنا كان لزامًا على كل فرد، معلم، قريب، زميل، وغيرهم عند ملاحظتهم وجود أي علامة من علامات الإيذاء أو العنف على طفل أن يرفع الأمر إلى الجهات المعنية للتأكد من حال الطفل، أما في حالة عدم الإبلاغ فيدخل ذلك في جانب التقصير والإهمال».

عارض نفسية وجسدية

يوضح المشخيص دلالات وجود العنف الأسري، ويقول «هناك دلائل أخرى قد تشير إلى وجود عنف بشكل ما، أو خلل ما في التعامل مع الطفل، وملاحظتها في وقت مبكر قد تسهم في علاج المشكلة واتخاذ الإجراء المناسب حيالها».

وعن العوارض النفسية التي تشير إلى تعرض الطفل للعنف، قال «الخوف، والقلق، وقضم الأظافر، أو حتى التبول الإرادي، أو التأتأة في الكلام، حيث أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة عنيفة، قد يشعرون بالخوف والقلق المستمرين، وفي بعض الحالات قد يؤدي العنف والتنمر إلى الاكتئاب لدى الأطفال، وينعكس ذلك على سلوكهم بشكل سيء مثل العدوانية أو الانسحاب، أو أن يواجه الطفل مشاكل في العلاقات مثل صعوبات في بناء علاقات صحية مع الآخرين».

أما عن العوارض الجسدية، فقال «قد تلفت الإصابات على جسد الطفل إلى أنه عرضة للعنف، كما أنه قد يعاني من بعض المشكلات الصحية مثل مشاكل النوم، أو مشاكل الهضم، كمن يواجه مشكلة الحصول على تغذية صحية، وهذا يسير به نحو ما هو أصعب في النواحي الاجتماعية مثل مشاكل في المدرسة، أو صعوبات التعلم، وحتى في العلاقات الصحية السليمة مع المعلمين، أو الطلاب، كما قد يعاني من صعوبة في تأسيس علاقات اجتماعية صحية مع الآخرين، وقد يصل الحال ببعضهم إلى مشاكل في المجتمع مثل الجريمة أو العنف.»

انقذوهم وساندوهم

شدد المشيخص على أنه «يجب على كل شخص يعلم عن وجود حالات عنف عند الأطفال أن يبادر إلى إبلاغ الجهات المعنية مباشرة عن حالات العنف، وطلب مساعدتها لإيجاد بيئة آمنة ومستقرة تضمن سلامة الأطفال، وأن يضع في الاعتبار أن من حق الأطفال الذين يعيشون في بيئة عنيفة الحصول على دعم نفسي من قبل متخصصين في الصحة النفسية».

وأضاف ناصحًا الجميع بعدم «تجاهل كدمات الجسم، وعدم الاستهانة بتراجع المستوى العلمي أو حالات انعزال الطفل عن أقرانه، والوعي بمسؤولية السعي إلى إحالة الطفل نحو اللجان المختصة في كل مؤسسة، أو اللجوء إلى الاختصاصيين، وفي حال عدم القدرة على تلك المساعي الرفع ببلاغ إلى مراكز الحماية الأسرية، وحماية الطفل».

وأشار إلى أن «حماية الطفل من الإيذاء، والإبلاغ عن وضعه السيء تبقى مسؤولية تقع على كاهل الأقارب أو المعارف في الدرجة الأولى، ثم كل الجهات التي لها علاقة بالطفل مع الأخذ بالاعتبار أن الإيذاء له انعكاسات على نفسية الطفل وحياته وقد يضعه في دائرة الخطر».

معلم بروح الأبوة

تعد المدرسة هي البيت الثاني للطفل، وبالتالي فإنها معنية بالدرجة الأولى بتحمل مسؤولية الحفاظ على سلامة الطفل، والإبلاغ عن كل ما يثير الاستغراب في حالته النفسية أو الجسدية، ولذلك ركز الاختصاصيون على المدارس كونها المصدر الأول لملاحظة أي تغيرات سلوكية أو مؤثرات نفسية وجسدية في طلابها، ويرى المشيخص أن المدرسة يمكنها أن تقدم دورًا مهمًا في الكشف عن حالات تعرض الطفل للعنف والإيذاء من قبل الأهل، وقال «دور المدرسة والمعلم هام في التعامل مع حالات العنف التي تظهر على الطفل، وعلى المدرسة رفع الأمر إلى السلطات المعنية حول الاشتباه بحالات عنف عائلي تتطلب تدخلا خارجيًا».

جيل قادم

يؤكد المحامي سعيد الغريافي، أهمية حماية الطفل، وسعي المملكة جاهدة لتطوير السياسات والإجراءات النظامية التي تهدف الى حمايته الطفل من جميع أشكال التعنيف والإيذاء، سواءً كان جسديًا نفسيًا أو اجتماعيًا، مبينًا أن قضية تعنيف الأطفال ذات أبعاد قانونية وأخلاقية خطيرة.

وعرّف الغريافي الإيذاء بأنه «كل شكل من أشكال الإساءة للطفل أو استغلاله أو التهديد بذلك، ويشمل ذلك:

١- التعنيف الجسدي للطفل: ويشمل أي اعتداء أو ضرب بأي شكلٍ من الأشكال على بدن الطفل يؤدي إلى إيذائه جسديًا بإتلاف أعضائه أو إصابتها مؤثرًا بذلك على صحة الطفل الجسدية أو موته.

٢- التعنيف النفسي: وهو الإساءة إلى شخص الطفل لا بدنه، وذلك من خلال استخدام الألفاظ والتهديدات النفسية مؤثراً بذلك على صحة الطفل النفسية.

٣- التعنيف الاجتماعي: وذلك من خلال ما يسمى باللفظ الحديث بالتنمر، وهو التمييز أو الإهمال الذي يمكن أن يحرم الطفل من الإنخراط في المجتمع أو مع أقرانه.

فيؤثر التعنيف على الطفل تأثيرًا نفسيًا بالاكتئاب والقلق وانخفاض تقديره لذاته، وعلميًا بضعفه أكاديميًا، وقد يعاني الطفل مستقبليًا من تدهور علاقاته عاطفيًا في مرحلة البلوغ والمراهقة فيصبح عنيفًا مما يؤدي إلى استمرار دائرة العنف».

برامج وتشريعات

أردف الغريافي أنه نظراً إلى الآثار العميقة والسلبية على الطفل جراء ما يحصل له من تعنيف، مؤثرًا بذلك عليه وعلى غيره، فقد عملت المملكة على عدة برامج وتشريعات لحمايته.

وأوضح «وضع المنظم ظروفًا مشددة ومُشهِرة لمن يعتدي أو يتحرش بطفل معاق، أو في دور العبادة، أو في من هم تحت يده كالمدرس والطالب، فإذا كانت العقوبة لا تزيد عن سجن سنتين وغرامة لا تزيد عن 100 ألف ريال في حق مخالفي النظام في الأحوال غير المشددة، فإن العقوبة المشددة لا تقل عن سنتي سجن وغرامة لا تقل عن 100 ألف ريال، كما توجد نصوص أخرى مجرمة إذا ما اقترنت هذه الأفعال بالوفاة لا قدر الله، فقد يعاقب الجاني بالقصاص أو التعزير».

واستدرك «في حال كان أحد الوالدين هو المقدم على الفعل فإن المنظم عالج تلك الظاهرة بما ورد في الإرادة الملكيةرقم 2624 في 9/4/1372 للهجرة، فيسجن الوالدين في القتل العمد مدة خمس سنوات، وفي القتل شبه العمد سنتين، إلا إذا ما اقترن القتل بظروف أخرى مشددة، فللقاضي السلطة التقديرية في زيادة المدة أو الحكم بحدٍ آخر».

ونوه «تلعب النيابة العامة دورًا مهمًا في تحقيق ومتابعة قضايا التعنيف الأسري ومعاقبة مرتكبيها»، مؤكدًا أن حماية الطفل من كل اعتداءٍ يقع عليه هو استثمار في مستقبل المجتمع.

برامج وتشريعات سعودية لحماية الطفل

1- نظام حماية الطفل.

2- نظام الحماية من الإيذاء.

3- نظام مكافحة التحرش.

4- الخطوط الساخنة لمركز بلاغات العنف 1919.

5- برنامج الأمان الأسري الوطني.

6- تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والإيوائي للضحايا.

8- سحب الطفل من الأبوين المعنفين أو المهملين، وإسقاط الحضانة عنهم.