ووصف العرب ألوان الإبل بدقة متناهية، وأدركوا الفروق الدقيقة بينها، حيث تتداخل وتتمازج ويقترب بعضها من بعض، كما أن أسماء ألوان الإبل عندهم اتخذت لها قاموسًا لونيًّا خاصًّا بها من حيث دلالة اللون واختلافه بين حقل استعماله الإبلي والحقول الأخرى، واقتصار أسماء على وصف ألوان الإبل فقط.
فمن ألوان الإبل التي ذكرت في اللهجة المحكية الدارجة ومازال مستخدما حتى الآن اللون (الأملح)، يقول مبارك بن ناجي:
يوم «على الأمْلَحْ ويوم» على العَفَرْ
رحاها تدورْ وحَبَّها موجود
فهو يجعل لون الإبل دالًّا على ظروف الحياة وتقلّبها، إذ يصف تقلّب حال الإنسان من يسر إلى عسر بركوب الإبل، فجعل الأملح/الأسود رمزا للأيام السود الصعبة، والأبيض/العفر رمزا للأيام السعيدة الهانئة.
الشعر القديم
يقول كثيّر ذاكرا الناقة الصهابيّة:
ثَنَائِي تُؤَدِّيه إليكَ وَمِدْحَتِي
صُهابِيَّةُ الألوان بَاقٍ ذميلُها
الصُّهْبَة: أَن يَعْلُوَ الشعرَ حُمْرَةٌ، وأُصُولُه سُودٌ، فإِذا دُهِنَ خُيِّل إِليك أَنه أَسود.
كما ورد في الشعر الفصيح لون يختص بالخيل والإبل وهو (الأدهم)، نجده في قول كثيّر:
كَدُهْمِ الرِّكَابِ بأَثْقالِها
غَدَتْ من سَمَاهِيج أو من جُواثا
وتتداخل الألوان في بيت لكثيّر، وقد يكون هذا التداخل في البعير الواحد، أو في عدد من الإبل، يقول:
على الكُمْتِ أو أَشْبَاهِها غَيْرَ أَنَّها
صُهابيّةٌ حُمْرُ الدُّفوفِ وَجُونُ
يقابل الملح والمجاهيم الإبل العفر، والأعفر في القاموس: الأبيض وليس بالشديد البياض. يقول مبارك:
يا شبْهْ عَفْرَا عنْد أَهَلْها معفَّاهْ
والحِمْلْ ما شالوا عليها ثقيلهْ
ويقارب ذلك ما ذكر في لسان العرب وهو أنّ: العِيَس والعِيسَة: بياض يُخالِطُه شيء من شُقْرة.
ويذكر كثيّر العيس في مشهد رحيل الحبيبة فيقول:
فلمَّا أن رأيتُ أنّ العِيسَ صبّتْ
بذي المأْثُول مُجْمِعَةَ التَّوالي
الأشقح والشقحاء
من ألوان الإبل الأشقح وهو الأقل بياضاً (الأغبر)، (المغبر). والناقة يقال لها (الشقحاء)، نجده في قول مبارك:
يا شبْهْ شَقْحَا فوقها النيّ مزْمُومْ
وأنا أشهدْ إنّ اللي شَرَاهَا تمطَّى
ومن ألوان الإبل الحمراء، وقد وردت في الشعر الفصيح، لكن ورودها في الشعر باللهجة المحكية الدارجة كثير، يقول مبارك:
الودّ ما هو ودّ جالي ثناياه
اللي يودّ القلبْ حَمْرَا طلوعي
ويقول مبارك مشيدا باللون وارتفاع السنام:
يا راكب اللي مشْيها يقْطَعْ اللَّال
حَمْرَا عليها طُولْ صوت المنادي
ومن الملاحظ في مدوّنتي الشاعرين، وذلك نموذج نجده في المدونات الأخرى، أن الشاعر العربي أولى لون الإبل عناية خاصة، فمن خلال الأبيات نرى الدقة الشديدة التي تقارب وصف اللون وتتمثّله.
سن المطية
إلى جانب تناول اللون في الشعر جاء الحديث عن سنّ المطيّة، فالناقة الصغيرة التي لم يشتدّ عودها ببلوغ سنّ معيّن لا تقوى على السفر الطويل وطيّ القفار وتحمّل الصعوبات، كذلك الناقة المسنّة لا تكون عونا لراكبها في حلّه وترحاله؛ لذلك نجد أن الشاعر العربي يقف عند هذه الجزئيّة ليؤكد عليها. يصف كثيّر الناقة بأنها بازل:
بِرَكَائِبٍ من بين كُلِّ ثَنِيَّةٍ
سُرُحِ اليَدَينِ وبازِلٍ شِمْلالِ
والبازل من بَزَل البعيرُ يَبْزُل بُزُولاً فَطَر نابُه أَي انْشَقَّ، فهو بازل، ذكراً كان أَو أُنثى، وذلك في السنة التاسعة، وربما بزل في السنة الثامنة. ويقول كثيّر كذلك:
ومُسْنِفَةٌ فَضْلَ الزِّمَامِ إذا انْتحى
بِهِزَّةِ هَاديها على السَّوْم بازِلُ
فإذا كان البازل اسم دالّ على ظهور الناب وهو آخر المراحل لسن الإبل، فمبارك يذكر الناب وبداية انشقاقه ليصف المرحلة العمريّة بدقّة متناهية فهي مرحلة تأتي بعد الرباع والسداس إلا أنها ممتدّة، وهو بذلك يؤكد على أن هذه الراحلة ليست بصغيرة السن ولا بالمسنّة الهرمة، يقول:
رباعْ وألاّ سدَسْ في سنّها ما هيْ كبيرهْ
وألا على مستواها ساعْ راس النَّاب بادي
يُلاحظ تمثُّل الشاعرين للفروق العمرية الدقيقة للإبل، فعمر البعير الزمني ذو أهمية كبيرة في عصر كان فيه الجمل الوسيلة الوحيدة في قطع القفار، فالبعير اليافع الذي لم يشتدّ عظمه والمسنّ الذي بلغ من الكبر عتيًّا مدعاة للوهن والعجز عن مواصلة المسير في رحلة الصحراء الطويلة.
السرعة والنشاط
توقّف الشاعر عند وصف راحلته من الإبل ليبيّن مدى سرعتها ونشاطها، وذلك يعود إلى تمتّع هذه الدّابة بصحة جيّدة توفّر لها النشاط والحيويّة، فالناقة الهزيلة أو المريضة لن تكون عونا لصاحبها في طي الصحاري.
وصف الشعر الناقة في حال السِّمن والاكتناز وفي حال الهزال والضعف، يقول كثيّر مشبهًا الإبل بشجر الدوم الضخم:
فإنَّكَ عَمْرِي هل أُرِيكَ ظَعَائِنًا
بصَحْن الشَّبا كالدَّوْمِ من بَطْنِ ترْيما
ويتمنّى مبارك راحلته أن تكون وسطا فليست بالسمينة الثقيلة ولا بالهزيلة الضعيفة فيقول:
عَزّ الله إن مْناي واللي على البالْ
حَمْرَا ليا كثرتْ هواجيسْ بالي
لا هي ردومْ ولا رديّهْ من الحالْ
باقي عليها من شَحَمْها توالي
فالردوم هي الناقة التي تراكم شحمها وثقلت، والرديّة الهزيلة.
ويبيّن مبارك سبب هزال الناقة فيردّه إلى العمل الشاق المستمر لجذب الماء، حيث اختفت مظاهر القوة والسِّمن والنشاط باختفاء اللحم والشحم ولم يبق إلا العصب والجلد، يقول:
يا ونّتي وَنّةْ رذايا المعاويد
ما فوقها غير العصب والجلودي
ويتفق وصف كثيّر مع وصف مبارك للإبل المنهكة بالرذايا، لكن كثيّرا يجعل سبب هذا الإنهاك السفر الطويل الذي حماها من أمراض الحجْر وعدم الحركة لكنه أنهكها حتى أصبحت كالقسيّ، فيقول:
نَفَى السَّيْرُ عنها كلَّ داءِ إقامةٍ
فهنّ رذايا بالطريق ترائكُ
والرذايا التي وردت في عند الشاعرين جمع رذيّة، والرَّذِيُّ من الإِبل: المهزُولُ الهالِكُ. كما أن هزال الناقة يُردّ إلى إنهاكها بالسفر الطويل، فإن اكتنازها وسمنها يُردّ إلى أنها لم تجهد بأعباء السفر وشقّته، يقول مبارك:
يا شبْه عفرا عند أهلها معفّاه
والحمْل ما شالوا عليها ثقيله
ويصف كثيّر الإبل فيشبّه الجمال بالسفن:
فَلَمّا اِستَقَلَّت عَن مَناخٍ جِمالُها
وَأَسفَرنَ بِالأَحمالِ قُلتُ سَفينُ
وعِظَم سنام الناقة دالّ على مدى اكتنازها، وقد ركّز على ذلك مبارك في قوله:
يا شبْهْ شقْحا فوقها النيّ مزمومْ
وأنا أشهد إن شراها تمطّى
المدن والبداوة
تظهر الورقة أن الشعر الفصيح انحصر في المدن والحواضر الكبرى بعيدا عن اهتمامات البدوي دائم الترحال في صحاري الجزيرة، فجاء شعره أقرب إلى روح الشعر الجاهلي وما بعده، فساكن الجزيرة العربية والبدوي بخاصّة يكتب الشعر بلغة مغايرة للمستوى الكلاسيكي الفصيح بروح تماثل روح سلفه القديم، بخلاف الشاعر العربي المتحضّر المثقّف، وقد خَفَت ذكر الإبل ووصفها المباشر في مدوّنة الشعر الفصيح حتى اختفى تماما في الشعر العربي الحديث.