تحولت متابعة أخبار الأرصاد الجوية إلى عادة شبه يومية لدى السعوديين خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك منذ أواخر أبريل وحتى الأيام الـ10 الأولى من مايو الحالي، ولم يعد التركيز على تلك الأخبار حكرا على المهتمين بالأرصاد ومن تحتم عليهم طبيعة عملهم ذلك مثل الصيادين والفلاحين والعاملين في شركات يرتبط عملها أو له علاقة بتغيرات الجو، ومحبي الكشتات البرية، بل صار اهتماما عاما، حيث شهدت منصات التواصل الاجتماعي أخيراً تركيزا على الأحوال الجوية السعودية التي صارت الشغل الشاغل لرواد تلك المواقع وحديث السوشال ميديا، ومجموعات الدردشة الواتسابية، حتى صارت ترند الربيع لدى السعوديين.

استقصاء ومعرفة

بوادر الاهتمام بموضوع الأرصاد وعلمها انعكس بشكل ملحوظ على منشورات ومدونات تداولها الناس فيما بينهم، وذلك على خلفية التغيرات الجوية الأخيرة التي اجتاحت دول الخليج خلال الشهر الماضي.

وانعكس الاهتمام إيجاباً على سلوكيات المجتمع السعودي، وفتح مجالاً لاهتمامات أوسع بالأحوال الجوية، فأصبح يستقصي المعلومات الأرصادية أكثر، ويتعرف على مصطلحات جديدة بما فيها معاني الإنذرات الملونة (الصفراء، البرتقالية، الحمراء) التي كثف المركز الوطني للأرصاد إطلاقها الأسبوع الماضي، وركز على معرفة مدى خطورة كل إنذار، وصولاً إلى معرفة معدلات هطول الأمطار ونسبتها في المناطق، ومقارنتها بمعدلات الهطول في سنوات سابقة.

توثيق فوتوجرافي

لأن للتكنولوجيا تأثيرها، فقد استثمر الراصدون والمراقبون للجو الأدوات التقنية (الجوالات، الكاميرات الحديثة، والمناظير الدقيقة) لتوثيق التأثيرات الجوية المصاحبة للحالات المطرية المتفرقة بدقة ووضوح، ونشروا متابعاتهم الموثقة بالفيديوهات والصور الفوتوجرافية، وتفننوا في إخراجها ونشرها عبر وسائل التواصل، فضلاً عن رصد الحوادث والمخاطر التي تسببت بها العواصف الرعدية وفيضانات السيول وغيرها.

ترقب وخوف

بتفصيل مجتمعي أكثر، يترقب الطلبة وأولياء الأمور تأكيدات أمر تعليق الدراسة في حال كانت الأجواء غير سانحة للتعليم الحضوري، بينما تابعت المجتمعات الساحلية وعلى الأخص مدن ساحل الخليج منشورات الأرصاد خوفاً من أن يطالها غضب البحار كما حدث مع سيول عمان، وتقلبات مزاج مياه الإمارات، وأمطار البحرين العاصفة في أبريل الماضي.

ومن جانبها، رفعت المؤسسات الحكومية ذات العلاقة متابعتها استنفاراً وتأهباً لأي طارئ.

تحذيرات شديدة اللهجة

خلال الأسبوعين الماضيين ارتفعت أصوات التنبيهات الجوية في غالبية مناطق المملكة التي شهدت أمطاراً غزيرة وعواصف رعدية.

استمرار الحالة المطرية والإنذار الأحمر لغالبية تلك المناطق نتج عنه تحذيرات شديدة اللهجة من الأرصاد، وتعليق دراسي في أغلب مناطق المملكة من قبل إدارات التعليم، واستنفار الدفاع المدني والمرور والبلديات والجهات المعنية تحسباً للمخاطر.

ومع ذلك، وفي ظل هذا الزخم حول تأثير الطقس وأحواله، اشتعلت المنصات في صراع الأقوى بين مستقرئي الطقس من الهواة، وهيئة الأرصاد التي حذرت من الانسياق وراء كل معلومة غير موثوقة المصدر، فضلاً عما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من أحداث مخيفة وظواهر جوية عبر عنها بعض متخصصي الأرصاد بالظواهر التاريخية، وذلك إثر تضرر بعض المناطق من الحالة المطرية وضربات الصواعق الرعدية، بينما وثّق مواطنون سرعة تعامل الجهات المعنية بشكل تكاملي من أجل تخفيف المشاكل التي تسببت بها الأمطار الغزيرة.

مزاج السماء الغابر

رصد المتابع لمنشورات المركز الوطني للأرصاد تنوعا في الإنذارات في المنطقة الواحدة في خلال أقل من 24 ساعة، حيث كانت الأحوال تتذبذب، وتنعكس على لون الإنذار من أصفر، إلى برتقالي، ومنه إلى الأحمر وهو الأخطر، وقد يعود نزولاً للبرتقالي وهكذا. ولعل هذا التباين السريع والتحول، يثبت تعكر الأجواء وتحولها من هادئة إلى صاخبة وبالعكس.

وكانت إدارة الأزمات والكوارث في مركز الأرصاد أعلنت توقعاتها بهطول أمطار غزيرة على الرياض والدمام الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الأول من مايو، وبتأثيرات مصاحبة تشمل جريان السيول، وتساقط البرد، وصواعق رعدية، وانعدام الرؤية، وشددت في التوصيات على اتخاذ الإجراءات الوقائية والابتعاد عن الأماكن الخطرة، ومتابعة تقارير الطقس الصادرة عن المركز واتباع الإرشادات المعنية.

ما لم يكن في الحسبان أن هذا الاعلان والتحذير تبعته إنذارات متواصلة واستمرت التحذيرات حتى الأسبوع الثاني من مايو، وتوسعت دائرة التحذيرات إلى مختلف مناطق المملكة، مع تحديد للمحافظات التي ستكون فيها نسبة هطول الأمطار أعلى من متوسطة إلى غريزة.

مستوى الجاهزية

كان المتحدث الإعلامي للأرصاد حسين القحطاني قد أكد على أهمية متابعة النشرات الجوية والتحذيرات التي تطلقها منصة المركز الرسمية، ولفت إلى مستوى الجاهزية التي رفعها المركز بالتنسيق في المناطق المتأثرة بالحالة المطرية، ودعا لمزيد من الحذر والانتباه من الظواهر الجوية المصاحبة، خاصة الرياح شديدة السرعة وانعدام الرؤية وتساقط البرد والسيول المفاجئة، كما نصح بتأجيل السفر براً لغير الضرورة.

ربيع ماطر

أعلنت التقارير الأرصادية عن حزمة من الإنذارات والتوقعات والتحذيرات بهطول أمطار متوسطة إلى غزيرة، وأنها ستكون مستمرة حتى نهاية الأسبوع الأول من مايو الجاري.

كما نشرت مقطع محاكاة لحالة الجو أوضحت خلاله استمرار هطول الأمطار من الثلاثاء إلى فجر السبت الأول من الشهر، وأنها ستكون من متوسطة إلى غزيرة، ثم عادت لتمدد حالة التحذير في بقية الأيام حتى السبت من الأسبوع الثاني.

ما حدث بعدها كان متوافقاً مع توقعات الأرصاد التي أعلنت أن الفرص مهيأة لهطول أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة تؤدي إلى جريان السيول المصاحبة بزخات البرد، ورياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من مناطق نجران، جازان، عسير، الباحة، مكة، المدينة، تبوك، الحدود الشمالية، الجوف، حائل، القصيم، الرياض والشرقية، وكذا بقية الأيام مع تغيرات بسيطة في إضافة مدن ومحافظات للقائمة المطرية أو استبعاد أخرى، لتستفتح المملكة ربيعها بعواصف وأمطار.

ظواهر استثنائية

شهدت بعض مناطق المملكة ظواهر استثنائية أشار إليها خبراء الأرصاد والمهتمين، من ذلك فيضان سد وادي فاطمة في أول يوم من مايو.

وكان عضو جمعية الطقس السعودية الدكتور زياد الجهني قد عبر عنه بالحدث التاريخي من خلال حسابه في منصة X في مدونة قال فيها «أصبحت مكة على سيل تاريخي جارف بوادي فاطمة شمال الجموم، وهناك أنباء عن احتجازات السيل».

ولفت إلى أنه «حدث فيضان سد وادي فاطمة لأول مرة في تاريخه بسبب الأمطار الغزيرة جداً بالأيام الماضية».

وهو ما أكده القحطاني متحدث مركز الأرصاد «جريان وادي فاطمة وتجاوزه طريق الحرمين لم يحدث منذ عقود، ويعكس الحالة المطرية التي أثرت على المملكة».

من جانب آخر، علّق استاذ المناخ السابق في جامعة القصيم عبدالله المسند معلناً حدوث أمطار استثنائية تاريخية انهمرت على ⁧‫عنيزة‬⁩ مساء الثلاثاء في ختام أبريل الماضي، ولفت إلى أنه خلال الساعة الأولى فقط هطل 70 ملم، أي خلال 60 دقيقة فقط هطل من المطر نصف المعدل السنوي.

وقد سجلت الأرصاد معدل هطول الأمطار في عنيزة بواقع 94.4 ملم.

وكان متحدث الأرصاد حسين القحطاني أوضح أيضا أن «الظاهرة الجوية التي حدثت على المدخل الشمالي لمدينة ⁧‫أبها‬⁩، هي إعصار قمعي متوسط السرعة تكوّن نتيجة للحالة الجوية المؤثرة على المنطقة ولم ينتج عنه أضرار بناء على تقارير الجهات المعنية»، ودعا إلى توخي الحذر والابتعاد عن مثل هذه الظواهر الجوية عند مشاهدتها.

حوادث وخسائر

من جهة أخرى، تداولت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع حول تأثير الأحوال الجوية وما تسببت به من حوادث وخسائر، ومن ذلك فيديو حصلت عليه «الوطن» يوثق إصابة منزل حارس مدرسة في القطيف بصاعقة رعدية تسببت بحالة من الذعر له ولعائلته.

وكان الحارس قد نشر تبعاً لذلك مقطعاً صوتياً في وسائل إعلام محلية أكد فيه الحادثة، وشدد على أنه لم يصب وعائلته بأي ضرر، عدا حالة الذعر والذهول التي انتابتهم حينئذ.

بدورها، وثقت عدسات أخرى تحطم مركبات، وغرق شوارع وارتفاع منسوب المياه فيها، وتضرر جزء من جامع الظهران الكبير في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وسقوط سقفه بسبب الأمطار الغزيرة، وكذلك تدهور طريق الشامية القفيف شمال شرق مكة المكرمة متأثرا بحجم السيول.

مستقرئو الأرصاد

تداول بعض مستقرئي الأحوال في المملكة أخباراً تتنبأ بحدوث ذات المستوى من الحالة المطرية؛ وهو ما نفاه القحطاني مؤكداً أن «التصريحات الإعلامية عن تأثر ‫المملكة‬⁩ بكميات أمطار غير مسبوقة مشابهة لما تعرضت له بعض الدول المجاورة هي أخبار غير دقيقة»، مشيراً إلى أن مستوى الحالة المطرية وغزارتها قد سبق إعلانه عبر تقارير المركز.

منجمون أم هواة

مستقرؤ الأحوال الذين نشطوا في الفترة الماضية في قراءة الأحوال ونشرها من خلال تطبيقات السوشال ميديا، وضعوا مركز الأرصاد في مواقف استدعت تدخلا مباشراً وسريعاً للتأكيد على ما تم نشره سابقاً حول أهمية أن يكون الممارس لمثل هذه العمل يحمل تصريحا بذلك، مع التأكيد على أنه يحظر على الأشخاص ممارسة أي عمل أرصادي دون الحصول على ترخيص أو تصريح، كما يحظر على المشغلين لمحطات الرصد نشر أي تحذيرات تتعلق بالطقس.

وكان المركز قد أعلن في أكتوبر 2020 عن معاقبة ممارسي رصد الطقس بلا ترخيص بالسجن 10 سنوات وغرامة مليون ريال.

تعليق دراسة

بسبب الأحوال الجوية المتقلبة وتأثيراتها، أعلنت مجموعة من إدارات التعليم في المملكة ومؤسساتها التعليمية عن تعليق الدراسة وتحويل الدراسة الحضورية إلى منصة مدرستي، أو نقل الدراسة افتراضياً عن بعد.

وعلى امتداد الأسبوعين كانت إدارات التعليم في المناطق تنضم تدريجياً لقائمة المؤسسات التعليمية المعلق دراستها بإضافة أو استبعاد وذلك بحسب المتغيرات الجوية.

احترازات واستنفار

تعاضدت جهود الجهات المعنية تحسباً لأي خسائر ومتاعب، فقد أعلنت إدارة مرور المنطقة الشرقية للمواطنين والمقيمين في حاضرة الدمام والقطيف، عن إغلاق بعض الأنفاق والطرق الرئيسة بسبب الحالة المطرية التي شهدتها المنطقة، ونتج عنها ارتفاع في مستوى منسوب المياه في كثير من المواقع والطرق.

فيما نشرت أمانة المنطقة تحذيراتها وأعلنت عن استقبالها المراسلات خصوصاً عند تجمع الأمطار أمام المنازل على أن تتم مراسلة واتساب أمانة الشرقية، وإرسال صورة للحالة مع موقع الحدث، وتحديد المشكلة كما يجب في الرسالة حتى يتم بعد ذلك مباشرة الحالة.

ومثلها فعلت بلديات المناطق التي باشرت بإرسال مركباتها وفرق الطوارئ لسحب المياه والتخفيف من المشكلات التي تسبب بها ارتفاع منسوب الأمطار. كما بادرت فرق الدفاع المدني إلى استخدام قوارب الطوارئ في بعض الحالات التي استدعت تدخلا لإنقاذها والعبور بها لأماكن أكثر أماناً.