عزيزي القارئ لا تلوي يد التاريخ بل تعلم من حركتها كيف تزيد لياقتك في الحياة كفرد فليس المطلوب أن تعود أدراج جدك في رعي الحلال وحراستها أو الزراعة بالمحراث الخشبي والثور، أو تعيش متكاسلاً بانتظار (عودة غودو/الريع النفطي)، بل في أن تكون ابن زمنك (الرقمي) ابتكاراً وإبداعاً وريادة.
عزيزي القارئ لا تلوي يد التاريخ بل تعلم من حركتها كيف تزيد لياقتك في الحياة كمواطن في دولة حديثة داعماً لوطنك، فليس المطلوب أن تعود حياتك لحياة الرعايا الأميين يحملون (التابعية) مفضلين الطب بالكي على القفا والجبهة على التطعيم ضد الكوليرا، أو تتوهم أن الحياة داخل وطنك مختزلة في اثنين (خوي ومطوع)، بل المطلوب أن تدرك بصفتك مواطنا اتساع مجالات الخدمة الوطنية ليكون ابنك أحد كوادر (التكنوقراط) من رجال الدولة في كل قطاعاتها العامة والخاصة.
التاريخ هو (نحن الآن وغداً) والدولة (كائن معنوي) يتشكل من سيادة القانون الوطني والمساواة في المواطنة، وما عدا ذلك فليس إلا كمبرادورية مافيوزية ترقع ثوب الوطنية الممزق بتحالفات أجنبية تنتهك السيادة الوطنية لترى خريطة (دولة عربية) وقد تمزقت بين (أمريكا تحارب الإرهاب شرقاً وتركيا تترصد الأكراد شمالاً وإيران تتغول العاصمة وروسيا تحمي ميناءها غرباً وإسرائيل تحتل الهضبة جنوباً)، ولهذا أسترجع مأساة ملايين البشر ينتمون لأعراق ودول من فلسطين والعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها إضافة إلى اليهود والأكراد والإيزيديين والأرمن أتأمل كل هذه الأفواج البشرية بمختلف أعراقهم وبلادهم عبر عقود وأجيال تطلب اللجوء لتعيدني إلى عبارة شهيرة تقول: (إن التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة/مسخرة) ولهذا فأحداث غزة اجتمعت فيها كل أركان المهزلة/المسخرة ولا رأى عندي في تكرار (المهازل التاريخية) سوى عبارة تقول: (الغباء هو فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب نفسه والخطوات نفسها، وانتظار نتائج مختلفة) فتاريخ ياسر عرفات ورفاقه ـ أيام شبابهم ـ في نضال الدم وأساليب الفدائيين قوة ونفوذاً ودهاءً تتجاوز بمراحل كل تاريخ حماس وحركاتها (الصادقة صدق الأحمق المتذاكي)، فهزيمة إسرائيل لن تكون أبداً دون ردم الفارق الحضاري معها، ولكن هذا الأسلوب لا يروق قطعاً لتجار القضايا والسلاح، وأكثر من يكره فكرة (ردم الفارق الحضاري) الديماغوجيين/خطباء الدهمائية، لأنها طريقة عقلانية ــ تحتاج وقتاً ولا تسفك دماً لأحد ــ
لا طريقة غرائزية تستهوي ناصبي راياتهم بالديماغوجية والدوغمائية ينتظرون (عبادة الجماهير) لهم.
لا تلووا يد التاريخ فقد لوتها الدولة العثمانية عندما عاشت بعقل القرون الوسطى وسط عصر التنوير الأوروبي، فكانت كقطعة قماش بيد خياط مستهتر، وحاولت بريطانيا العظمى التي لا تغرب عنها الشمس أن تلوي يد التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية وهي منتصرة لكنها أدركت الشعرة التي انقطعت بين عظمتها وقوتها، فسلمت راية القوة لأمريكا واحتفظت لنفسها براية العظمة كمعنى اعتباري تلعب به حتى الآن بأقل التكاليف.
وها هي أمريكا سيدة التاريخ لما بعد الحرب العالمية الثانية بالشراكة حيناً مع السوفييت ثم منفردة كرةً أخرى، بدأت تدرك متأخرة أن ذراع التاريخ لم تعد مطواعة وبدأت تخشى (مهزلة التاريخ) فاتجهت ببراغماتيتها المعهودة، تبحث عن المنفعة (على مضض) ولو في شريك صيني علناً ــ أو إيراني من تحت الطاولة ـ يساعدها في (إدارة الصراع) بطريقتها، دون أن يخالف قوانينها فيحاول (حل الصراع) دون إذنها، ولكن ليد التاريخ قطعاً (كلمة أخرى) بوادرها ستظهر على شكل شركات عابرة للقارات والجنسيات أكثر مما تظهر على شكل دولة عظمى هنا أو هناك، ومن يستعيد تاريخ إرشيف اتفاقية المانيا مع العثمانيين في سكة حديد بغداد برلين (1900م) واقتحام بريطانيا على الخط بصلف وقسر لإسطنبول لإفساد هذه الاتفاقية كصراع على طرق التجارة سيكتشف أنه لا جديد تحت الشمس، ليس من أيام البرتغال والإسبان بل منذ طريق البخور قبل آلاف السنين.