من البديهي أن الناس لا يتشابهون في المظهر، فهناك تنوعات مختلفة في الصفات الظاهرية الطبيعية. تنتقل جميعها أو بعضها من الأب إلى الابن، أما ما يسمى (أجناسا بشرية) فليست إلا مجموعات بشرية متفقة نسبيا في تلك الصفات الطبيعية الظاهرية.

بهذه العبارات يصدر المؤلف كتابه، محددا بهذه المقولة الأخيرة (وتختلف هذه الأجناس عادة في مستويات التطور والتقدم) المنبع الأساسي لنظرية التفرقة العنصرية في كل مراحل تطورها، لينتقل بعد ذلك إلى تقصي بعض المواقف المنافية للتسامح العنصري منذ العصور القديمة حتى الآن.

فمنذ ألفي عام مثلا كان الإغريق القدامى يعتبرون كل الناس ما عداهم (برابرة).


وقد حاول (أرسطو) نفسه أن يبرر طموحهم ذاك لسيادة العالم؛ فنادى بنظرية أكد فيها أن جماعات معينة تولد حرة بالطبيعة، وأخرى تولد لكي يكونوا عبيدا.

ويذهب (هيرودوت) إلى أن (الفرس) بدورهم كانوا يعتقدون مثل هذا الاعتقاد. وعلى كل فإن هذه المواقف وغيرها لم تكن هي المظاهر الحقيقية للنظرية العنصرية بمعناها الدقيق.

وكذلك لم تكن العداوة السابقة بين المسلمين والمسيحيين، ذلك لأن الانقسام على أساس ديني يعد في الحقيقة أكثر إنسانية. حيث إنه في الإمكان عبور الهوة التي بينهما، أما الهوة البيولوجية التي تفصل بين الأجناس فلا يمكن عبورها.

ومن الطبيعي أنه كان هناك من يعتنق نظريات إنسانية مناهضة للعنصرية، ومن هؤلاء (دي لاس كازاس، مونتاني، فولتير، روسو، بفون)، لقد أيد هؤلاء الوحدة الجوهرية للطبيعة الإنسانية، أما الذين رفضوا التسليم بذلك فنذكر منهم (هيوم، رينان، وكاريل) الذى ذهب في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) إلى أن البروليتارية والعاطلين هم أفراد منحطون بالوراثة، فقدوا بحكم الأصل القوة على الكفاح فهبطوا إلى المستوى الذى يصبح فيه الكفاح أمرا غير ضروري.

هكذا يرى وكأن البروليتارية لا تجابه في كل ساعة بكفاح أشد مرارة من كفاح الأثرياء.

ويمكن القول إن التمييز العنصري تطور إلى نظام مذهبي منتظم في خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وذلك تبعا للانقلاب الصناعي في أوروبا في بداية القرن الماضي عندما ازداد الطلب على الأيدي العاملة من العبيد. وبذلك تحولت العبودية تلقائيا إلى نظام مقدس.

ولتأييد هذا النظام الخاص والدفاع عنه، ابتكر المفكرون وعلماء الاجتماع في الولايات الجنوبية أسطورة شبه علمية لتبرير حالة مناقضة للمعتقدات الديمقراطية التي كانوا يتشدقون بها.

من أجل هذه الاعتبارات، ومن أجل حقائق أخرى كثيرة، يتضح أنه ليس هناك أي أساس علمي لتصنيف الأجناس تصنيفا عاما على أساس من الرقي النسبي، وعلى هذا فإن التمييز الجنسي وخرافاته وأساطيره ليست إلا وسائل لإيجاد كبش فداء حين تهدد الأخطار مركز بعض الأفراد أو تماسك بعض الجماعات.

1964*

* كاتب وروائي مصري (1935 - 2012).