تجمع ندوةُ الرفاعي نخبة من رجال الفكر من العلماء والأدباء والشعراء وبعض راغبي الاستفادة مما يدور في الندوة من مناقشات علمية، وأحاديث أدبية، ومساجلات شعرية في جَوٍّ أخَوِيّ وُدِّيٍّ يغمره عميدُ الندوة معالي الشيخ الأستاذ الكبير عبدالعزيز أحمد الرفاعي بدماثَةِ خُلْقِهِ، ورجاحةِ عقله، وكرم سجاياه.

وقد جمعتني الندوة، يوم الخميس الماضي، لأول مرة بالأخ الأستاذ عبدالرحمن بن زيد السُّوَيْداء، وكنت في شوق إلى لقائه مُذ قرأتُ في الصحف، وسمعت في الإذاعة، مقتطفاتٍ من كتابه: (فصيح العامي في شمال نجد) وكانت فرصة طيبة للقاء. وقد أعْجِبْتُ بروح البحث والاستقصاء والتمحيص التي رأيتها في ثنايا الكتاب، وبرغبة المؤلف العارمة في تأصيل الكلمات العامية.

وفي الحقيقة أنِّي أخالف من يسعون إلى إثبات أن كلمة عامية أصلها عربيَّ، فالكلمات العامية في البلدان العربية معظمها - إن لم أقل كلها - تعود إلى أصول عربية، خاصة في وسط الجزيرة، الذي ظل قرونًا لم تطأهُ قَدَمُ مستعمر - حتى الآن ولله الحمد - ولم تختلط بسكانه عناصرُ أجنبية، مثلما حصل في أجزاء أخرى من الوطن العربي على درجات متفاوتة. وإنما ينبغي أن نبحث عن الكلمات ذات الأصول العربية في اللغات الأجنبية كالإنجليزية أو الفرنسية أو التركية أو الفارسية أو الأردية ونحو ذلك.


والأجدر بنا ألا نسعى إلى البحث عن أصول الكلمات المستعملة في الحديث بين الناس لنؤكد عروبتها، فذلك أمر يطول، ولا يكاد يحيط به جهد، وإنما ينبغي - في نظري - أن يُبْذَلَ الجهدُ في تنقية اللغة - خاصة لغة الكتابة والإذاعة - من الكلمات الأجنبية الدخيلة الوافدة من اللغات الأجنبية، وإحلال كلمات عربية فصيحة بدلًا منها.

ولكن هذا لا يقللُ أبدًا من قيمة المجهود الكبير الذي بذله الأخ الكريم الأستاذ السويداء، فهو قد بذل أقصى جهده، وأصدر كتابًا في مجلدين ضخمين، يزيد عدد صفحاتهما عن ألف ومئة صفحة، وبلغ عدد الكلمات التي اشتمل عليها ما يزيد على ثلاثة آلاف كلمة، يشتق منها ما يزيد على عشرين ألف لفظ، إضافة إلى ما يزيد على مئة وخمسين كلمة مختزلة، وقد رتبت فيه الكلمات ترتيبًا هجائيًا، واستشهد المؤلف في شرح أكثر الكلمات بأبيات من الشعر، وبمقولات من الزجل العاميِّ وإِنْ كان في أكثر الأحوال لم يذكر أسماء الشعراء أو الزجالين الذين استشهد بشعرهم وزجلهم، ولم يذكر مطلقًا المراجع التي رجع إليها عند كل معلومة رجع فيها إلى مرجع، وإنما اكتفى بسرد المراجع في نهاية الكتاب.

وهذا الكتاب (فصيح العامي في شمال نجد) يعد من الكتب التي ستصبح مرجعًا للباحثين، وهو على ضخامته وكثرة ما اشتمل عليه من كلمات ومشتقاتها يدل على صحة ما ذهبنا إليه من صعوبة استقصاء الكلمات المستعملة في الأحاديث العامة وإرجاعها إلى أصولها العربية، مع أنه قد اقتصر على ما هو مستعمل في لهجة سكان شمال نجد، واكتفى بالألفاظ دون الإعراب والاشتقاق وقال:

(إنني فضلت البحث في منطقة محدودة خشية أن أخوض في أرجاء لا ألمُ بالألفاظ التي تنطق بها فأقعَ في شيء من الحرج، مثلما حصل لي في كتابي (نجد بالأمس القريب)... على أمل أن يقوم في كل جزء من نجد أحدُ أبنائه بعمل مماثل، تكون حصيلة هذا العمل مجتمعًا حصيلة جيدة تضم معجمًا لغويًا للألفاظ الفصيحة من اللهجة العامية.. وربما تبع ذلك جهود مماثلة في أرجاء الوطن العربي الكبير).

وأعود فأقول: إن الجَرْيَ وراء تأصيل الكلمات المستعملة لدى العامة جهد كبير، لهدف مشكوك في فائدته، وإنما الأولى أن نستخرج الكلمات التي ليس لها أصل عربي فصيح، فننبه إليه، للتحذير من استعمالها، ولاستنباط كلمات أو تعبيرات عربية فصيحة بدلًا عنها.

هذا من حيث الأساس الذي بُني عليه الكتاب.

أما عن الكتاب نفسه فقد اكتفيت بمراجعة مقدمته والتمهيد الذي قدمه المؤلف بين يديْ كتابه فوجدت فيهما بعض الملحوظات التي أوضحها في سطور أضعها بين يدي المؤلف الكريم وقراء كتابه، ليقبلوا قولي فيما أصبت فيه، ويردُّوا عليَّ خطاي إِنْ أخطأت.

لقد لاحظتُ في المقدمة بعض الأخطاء التي يمكن أن تُعْزَى إلى المطبعة - أو إلى صفًّافي الحروف منها.

1 - كتابة كلمة (مواراة) بالتاء المفتوحة، والصواب أن تكون بتاء مربوطة.

2 - كتابة كلمة (حظيرة) بالضاد والصواب أن تكون بالظاء.

3 - كتابة كلمة (كيلا مربعًا) بعد العدد مئة وخمسين ألفا... والصواب (.. كيل مربع) بالجرِ.

4 - كتابة كلمة (عدلت) بالذال المعجمة والصواب أنها بالدال المهملة.

1989*

*عسكري وأديب سعودي «1928- 2000».