عزيزي الزوج عزيزتي الزوجة، إياكما ثم إياكما أن تلويا يد التاريخ فتصرا أن تبقى علاقتكما وفق شروطكما القديمة قبل ربع قرن، لأن الإصرار على إنكار حركة التاريخ سيخلق لكل واحد منكما وجهاً جديداً لا يراه الآخر لتعيشا مع بعضكما بوجهين تحت سقف واحد، فوجه قديم مهترئ كئيب يمثل التزامكما بنمط علاقتكما القديمة «المهترئة» ووجه جديد حقيقي يعيشه كل واحد منكما بعيداً عن الآخر، لتبدأ عليكما أعراض (العلاقة المسمومة) دونما سبب إلا عجزكما عن استيعاب التغيرات فيكما وحولكما عبر عقدين أو ثلاثة، ولهذا أعتب على بقايا الواعظين الذين يصرخون في زمن الصحوة بآية «مثنى وثلاث ورباع» متلمظين بذكوريتهم، فلما جاء زمن الحق الكاشف ظهر أنهم يؤمنون ببعض الكتاب عندما غضبوا واغتاظوا من آية «فلا جناح عليهما فيما افتدت به».
عزيزي الأستاذ/المعلم في الجامعة أو المدرسة (بعض معلمي المدارس أكاديميين من حملة الشهادات العليا)، إياك ثم إياك أن تلوي يد التاريخ فتصر أن تبقى علاقتك مع طلابك وفق شروط قديمة كان عنوانها (لكم اللحم ولي العظم) وإياك والتذاكي في ادعاء دور يتجاوز دورك (التعليمي) فتسقط في أدوار صحوية قديمة دون أن تشعر، واحذر ممن يذكرونك بدورك (التربوي) لأن دورك التربوي لا يعني أبداً أن تكون قدوة صوفية أمام طالب سلفي، ولا قدوة في الفقه الشافعي أمام طالب اثني عشري أو إسماعيلي، ولا قدوة في تقاليدك الحضرية أمام طالب بدوي أو العكس، إن دورك التربوي محصور في مهنتك وملخصها أن تعيد تربية نفسك أولاً لتكون في داخل جدران المدرسة (قدوة كمواطن مهنته التعليم وفق قيم النزاهة والعدالة والمساواة والتسامح والاعتدال) ولهذا عليك أن تدرس معنى هذه الكلمة (مواطن) ومتطلباتها الأخلاقية في احترام (التنوع والاختلاف) داخل الوطن الواحد مما يدعم اللحمة الوطنية، فولاؤك للدولة يتأكد بقدر التزامك بصفة (مواطن) فوق أي ولاء خاص دونها وإيصال هذا المعنى التربوي والأخلاقي لطلابك، وأي حديث عن تقسيمات مناطقية أو طائفية باعتبارها معيارا أكثر دقة في (الولاء للدولة) هو ورم خبيث لأنه يحمل صفات مرض السرطان في انقسام الخلايا الداخلية للجسم لتهاجم خلايا الجسم الأخرى، وليتذكر المعلم أن ولاءاته التي تخص تقاليده وأعرافه في (منزله ومحفل جماعته) قد لا تعني منازل وجماعات كثير من طلابه، وأن قوة (الولاءات الهامشية/الطائفة، المذهب، القبيلة، العرق، اللون) لا قيمة لها دون دولة تقدم مفهوم (المواطنة) على أي اعتبارات أخرى، فطالبان في أفغانستان عاجزة عن تكوين دولة قوية متماسكة بقدر عجزها عن استبدال عقدتها المذهبية وضيق أفقها الطائفي والقبلي بالعقد الاجتماعي في (المواطنة)، تلك المواطنة المحملة بالمعاني التربوية والأخلاقية الحديثة التي تجمع ولا تفرق وتتقبل تنوعاتها، لنرى دولة الهند وفيها عشرات الديانات والأعراق واللغات وهي تريد منافسة الصين وأمريكا في الحضور الدولي، وعلى أساس هذه (المواطنة) قامت (الدولة المدنية) في العالم الحديث، فهل من مدكر أيها (المعلمون/الأكاديميون) أم ما زلتم تريدون دوراً تربوياً داخل الحرم التعليمي (مدرسة/جامعة) يتجاوز (المواطنة) وأخلاقها وقيمها إلى أدوار أخرى تتناسب وتفتيت الدولة باسم (العقيدة الأنقى، والعرق الأنقى، واللون الأنقى) أو باسم (الحاكمية) التي تزعم أن لها الحق في استباحة دم رأس الدولة (أنور السادات) وأن لها الحق في الدين والدولة معاً (ولاية الفقيه/المرشد الأعلى).
الدولة هي لجميع المواطنين على قدم المساواة، وكل دين مرتبط بمؤسسة وزعيم ديني يصدر عنه صك الغفران في الجنة لهذا وصك الحرمان في النار لذاك ليس إلا كهنوت ومجمع مسكوني للقرون الوسطى، تعافت منه أوروبا المسيحية بجرعات من عقل ابن رشد الأندلسي، وتهاوى العرب بنفي هذا العقل وإحراق كتبه، ولهذا قيل كأثمن حكمة لمن أراد تماسك أي دولة حديثة (الدين لله والوطن للجميع).