ما بين كوارث لم تحدث، وحروب لم تقع، واغتيالات لم تتم، ومصالحات لم تعقد، وسلام لم يتكرّس، واتفاقيات لم تبرم، سقطت كثير من توقعات المنجمين الذين شغلوا الناس وملأوا وسائل الإعلام التي تسابقت على الاحتفاء بتنبؤاتهم التي صارت طقسا سنويا يحتفى به، فتدغدغ المشاعر هنا، وتثير المخاوف هناك.

وفي 2023 الذي طوى صفحاته منذ أيام كانت تكهنات كبار المنجمين المتنبئين قد ذهبت أدراج الرياح، وثبت أنها لم تكن أكثر من أقاويل بلا سند، على الرغم من أنها كانت تتقاطع في بعض الأحيان مع بعضها بعضا، حتى ليخال للمرء أنها قد تبدو صادقة نتيجة الاتفاق عليها بين أكثر من منجم، لكن الوقائع أثبتت أن العام انقضى وأن كثيرا مما توقع هؤلاء أنه سيحدث فيه لم يحدث، حتى استحقوا: «قال المنجمون وما صدقوا».

وما يلفت النظر أن ثمة إلحاح إعلامي على أن تنبؤات وتوقعات بعض المتنبئين تصيب في غالبها، وهو ما يمارس على سبيل تكريس وتصديق هؤلاء المتنبئين، والتعامل مع تنبؤاتهم على أنها بمثابة حقائق ووقائع قادمة، حيث دأب الإعلام على وصف توقعات اللبنانية ليلى عبداللطيف بأنها تصدق وتصيب في 90 % منها، فيما قيل عن العرافة البلغارية العمياء بابا فانجا التي شغلت العالم بتوقعاتها التي اشتملت على أكبر أحداث القرن الـ20 أنها تصدق بواقع 85 % من توقعاتها.

في المقابل، يربط كثيرون أحداثا عدة في المنطقة والعالم مع تكهنات اللبناني ميشيل حايك بشأنها على الرغم من أنه يصيغ توقعاته في أحيان كثيرة بمصطلحات عائمة يمكن ربطها بكثير من الأحداث التي تقع على الرغم من عدم تصريحه تحديدا بها، فيما بدأت الأضواء تنحسر أخيرا عن اللبناني مايك فغالي الذي باتت كثيرا من توقعاته لا تخيب فقط، بل ويحدث عكسها كذلك، وهو ما أدى إلى تراجع الاهتمام بها.



عام الخيبة

مثل كل عام فائت، يمكن القول إن عام 2023 شكل عام الخيبة لتوقعات كثيرة لبابا فانجا والحايك وعبداللطيف وفغالي.

وعلى الرغم من أن فانجا توفيت قبل أعوام طويلة، إلا أن كبريات الصحف العالمية ما تزال تصر على استحضار تنبؤاتها مطلع كل عام.

وفانجا التي فقدت بصرها عن عمر يناهز 12 استفادت من الأمر بأن أحيطت بهالة الميزة النادرة التي جعلتها قادرة على التنبؤ بأحداث عظيمة قبل حصولها بسنوات طويلة مثل تفكك الاتحاد السوفيتي، وأحداث 11 سبتمبر، وموت الأميرة ديانا، وكارثة تشيرنوبل النووية عام 1986، وتسونامي اليابان 2004.

وكانت صحف أميركية وبريطانية أعادت نشر توقعات «بابا فانجا» لـ2023، وفيها أثارت مخاوف كثيرة من تفجير محطة نووية ومقتل مئات الآلاف بسلاح بيولوجي، ناهيك عن معاناة العالم من كوراث طبيعية وكذلك كيمياوية.

سلاح بيولوجي

كانت فانجا توقعت استخدام قوة عظمى سلاحا بيولوجيا عام 2023، ومقتل مئات الآلاف.

وتدخل بعض الفيروسات والمواد السامة والبيكتريا والفطريات ضمن مفهوم الأسلحة البيولوجية، لكن العام انطوى ولم تحدث أي كارثة نووية، ولم تُطلق سحب سامة فوق آسيا حسب توقعاتها.

وخابت توقعات فانجا كذلك حين أشارت إلى أن عاصفة شمسية قوية ستهز المناخ هذا العام، لكن العالم ومناخه نجيا من أي عواصف شمسية استثنائية توقع أنصار فانجا أنها ستدهم العالم وتترك آثارها القاسية عليه.



صعود نجم عبداللطيف


صعد نجم ليلى عبداللطيف في سماء التوقعات في السنوات الأخيرة بعدما ربط كثيرون بين توقعاتها وأحداث شهدتها المنطقة والعالم، حتى كرّس هؤلاء مقولة إن 90 % من توقعاتها تصدق، وهو ما ردده الإعلام الذي يحرص على استضافتها نهاية كل عام لتدلي بتوقعاتها للعام الذي يليه.

وخابت توقعات عبداللطيف في أكثر من موقع وعلى أكثر من صعيد للعام 2023، بما فيها الصعيد المحلي اللبناني، فقد توقعت حسم ملف الرئاسة اللبنانية الذي يشهد شغورا منذ نحو 14 شهرا، حيث ما زالت أزمة الشغور الرئاسي متواصلة على الرغم من المساعي المحلية والإقليمية والدولية لحسمها، وعلى الرغم من التحركات المعلنة وتلك الخفية لإنهائه.

كرة محمد صلاح الذهبية

كانت عبداللطيف توقعت كذلك أن يتوج المصري محمد صلاح بجائزة الكرة الذهبية، لكنه خرج من قائمة الـ10 الأوائل في ترتيب الجائزة منذ أن ترشح لها للمرة الأولى عام 2018.

وكان صلاح راوح بين المركز الخامس والسابع في أعوام 2018 و2019 و2021 و2022، قبل أن يخالف توقعات عبداللطيف ويغادر قائمة الـ10 الأوائل في 2023.



خيبات أخرى


إضافة إلى مجانبة توقعها للرئاسة اللبنانية، وفوز صلاح، خابت توقعات عبداللطيف في حديثها عن عملية اختطاف كبرى قالت إنها ستهز العالم، مشيرة إلى وجود رهائن في وسيلة نقل عامة، وطلبات غريبة من الخاطفين، لكن تلك العملية لم تحدث ولم يهتز العالم لعمليات اختطاف تمت في وسيلة نقل عامة.

كما لم تصب توقعاتها بشأن حدوث موجة سيول وحرائق تعم أنحاء العراق، وبقي كل ما شهده طقس العراق في إطار المتوقع والاعتيادي والمتكرر.

توقعات من باب المتوقع

تتكئ ليلى عبداللطيف أحيانا على الأشياء التي يمكن للجميع توقعها باعتبارها صارت أقرب إلى العرف والمعهود، أو باعتبارها نتيجة منطقية للمقدمات التي تحدث، فليس مفاجئاً ولا يحتاج إلى تنبؤ وتكهن الحديث عن أن السعودية (ستعيش) في 2023 عاما من الانتعاش الاقتصادي، لأن كل العمل كان يمضي نحو هذا الشأن، والمقدمات لا بد أن تفضي إلى نتائج.

كما توقعت فوز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية، وهذا أمر كان يمكن للجميع توقعه، ولا يحتاج متنبئا أو خبيرا فلكيا، لكن استخدام مثل هذه الأمور القريبة من البديهيات يعزز عند أنصارها أنها تصيب في توقعاتها فيما لا يعدو عند المطلعين أكثر من تأكيد المؤكد أو توقع المتوقع.

سلاح بدل السلام يُسقط حايك

في نهاية كل عام يحمل ميشيل حايك أوراقه ويجلس على كرسيه مقابلا لكاميرا التلفزيون ليدلي بسلسلة توقعاته التي تنطلق من لبنان لتشمل الوطن العربي والعالم، وتعرج من الساسة حتى الفنانين، ومن السياسة حتى الكوارث الطبيعية.

وعن عام 2023 أطلق حايك بأسلوبه الذي يعتمد صياغة تقبل كثيرا من الاحتمالات نحو 230 توقعا، لكن بعض أهمها خاب تماما.

ولعل الخيبة الأكبر لتوقعاته تجسدت حين قال إن «السلام سيغزو غزة»، ولربما كان صدق لو قال إن «السلاح سيغزو غزة»، فمنذ السابع من أكتوبر الماضي والحرب تعيث في أرجاء غزة موقعة أكثر من 22 ألف شهيد فلسطيني.

وبدل السلام الذي بشّر به حايك حلت الحرب في أقسى وأبشع صورها.

خيبات سياسية

تواصلت خيبات توقعات حايك في الشأن السياسي، فقد توقع أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي «سيأخذ حق مصر في سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا، لكن العام انطوى وما زالت المفاوضات بشأن السد وحصص المياه المقررة فيه للسودان ومصر تصطدم بتعنت إثيوبي.

كما توقع حايك مصالحة بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، وعلى الرغم من أن مقدمات حدثت لتقارب تركي سوري إلا أن الأسد رفض أي لقاء بإردوغان ومضى العام دون أن يأتي هذا اللقاء.

الطبيعة تمارس الإفشال

بدورها، جاءت وقائع الطبيعة لتفشل عددا آخر من توقعات حايك، فمثلما فعلت عبداللطيف التي توقعت أن هناك سيولا وغيرها من الظواهر ستدهم العراق، توقع حايك أن تضرب ظواهر طقسية خارقة العراق، لكن هذا لم يحدث.

اللعبة ذاتها

يمارس حايك كذلك مثلما تفعل عبداللطيف لعبة توقع المتوقع، فقد أشار إلى أن السعودية ستحول الشرق الأوسط إلى عالم أخضر، وهو مشروع قائم ومعلن.

كما تحدّث عن عواصف قوية تضرب سواحل مدينة طرطوس وهذا أمر متكرر لا يحتاج توقعات.

تراجع الأحوال يفضخ فغالي

على غرار فانجا وعبداللطيف وحايك مضت توقعات مايك فغالي، بل كان سقوطها أشد وقعا.

وشكلت سوريا ميدانا واسعا لتوقعات فغالي، فقد توقع أن تشهد سوريا في 2023 تحسنا في الأوضاع الاقتصادية، وأن يكون الاقتصاد من أولويات حكومتها، وأن تستقطب استثمارات كبيرة، وأن تجد حلولاً كبيرة في أزمة الكهرباء، وأن العلاقة السورية اللبنانية ستتحسن.

وجاءت توقعات تحسن الاقتصاد السوري لدى فغالي معاكسة تماما لتوقعات البنك الدولي التي أشارت إلى انكماش الناتج المحلي السوري بنسبة 5.5 % خلال 2023، كما تأكد أن توقعات فغالي كانت عكس الوقائع بالنظر كذلك إلى سعر صرف الليرة السورية الذي كان بنحو 7550 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد، لكنه انحدر ليصل إلى 14600 ليرة مقابل الدولار عند نهاية العام، أي أن سعرها تراجع بنسبة 107% خلال 2023، مقارنة بانخفاض بنسبة 95 % في عام 2022.

لا هجرات إلى البلدان العربية

توقع فغالي أن تشهد بعض الدول العربية موجة هجرة عالمية إليها خلال 2023، لكن تلك الهجرات بقيت مجرد تكهنات لم تصدق على أرض الواقع، وما زالت البلدان العربية أو عدد منها مصدرة للمهاجرين وليست مستقبلة لهم.

كما اتفق فغالي مع عبداللطيف وحايك بأن كوارث طبيعية ستقع في مناطق مختلفة من العالم، لكنه اختلف عنهما بأن هذه الكوارث «ستعيد التوازن إلى الأرض»، إلا أن الكوارث لم تأت، والتوازن لم يتحقق.

توقعات فانجا الخائبة في 2023

ـ تفجير محطة نووية.

ـ مقتل مئات الآلاف بسلاح بيولوجي.

ـ العالم يعاني من كوراث طبيعية وكذلك كيمياوية.

ـ عاصفة شمسية قوية ستهز المناخ.

ـ سحب سامة فوق آسيا.

توقعات لم تصب لليلى عبداللطيف في 2023

ـ حسم ملف الرئاسة اللبنانية.

ـ تتويج المصري محمد صلاح بجائزة الكرة الذهبية.

ـ عملية اختطاف كبرى ستهز العالم.

ـ رهائن في وسيلة نقل عامة وطلبات غريبة من الخاطفين.

ـ موجة سيول وحرائق تعم أنحاء العراق.

توقعات حايك غير الصائبة في 2023

ـ السلام سيغزو غزة.

ـ مصر ستأخذ حقها في سد النهضة.

ـ مصالحة ولقاء بين إردوغان والأسد.

ـ ظواهر طقسية خارقة تضرب العراق.

توقعات أفشلت فغالي 2023

ـ سوريا ستشهد تحسنا في الأوضاع الاقتصادية.

ـ حلول كبيرة لأزمة الكهرباء في سوريا.

ـ موجة هجرة عالمية إلى بعض البلدان العربية.

ـ كوارث طبيعية ستعيد التوازن إلى الأرض.