ولا يمنع كونه ليس طبيباً مثلاً من التعرف على الأمراض وأعراضها ومسبباتها، وليس شرطًا أن يكون محاميًا ليطلع على الأنظمة والقوانين؛ وأكثر من ذلك لماذا لا يكون له حظ في قراءة الأدب والتاريخ والفلسفة والتكنولوجيا وعلم الإدارة والاجتماع وغيرها؟.
تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن ضرورة توسع مدارك الإنسان وتنوع معارفه وقراءاته في مجالات شتى لا ينفي أهمية التخصص، بل بالعكس يعتبر المتخصص أقدر شخص على تقييم المواقف وصنع القرارات الصحيحة والمناسبة المتعلقة بمجال تخصصه، ولكن الغاية الأهم التي يحصل عليها الإنسان كنتيجة مباشرة لكثرة الاطلاع وتنوع المعارف تكمن في التصور الواضح حول الأشياء والمواقف والأحداث، التي (يجب أو لا يجب) عليه القلق بشأنها أو الاكتراث بها.
كما أن للثقافة العامة والاطلاع الواسع دورا أساسيا في إيجاد معايير حقيقية تمكن أصحابها من ترتيب الأولويات وتقييم المواقف بناءً على أهميتها، وبالتالي يسهل تعيين البدائل والمفاضلة بينها، وبالتبعية يصبح اتخاذ القرارات أكثر صائبيةً وأبلغ أثراً.
الثراء المعرفي يفضي إلى توازن الانفعالات وردود الأفعال من خلال تسمية الأحداث والمواقف بمسمياتها الحقيقية وحصرها في إطار موضوعي متصل بالواقع يقود إلى حلول واقعية؛ بعيدًا عن المبالغة في التقديرات أو التفاؤل المفرط في التوقعات.
أخيرًا.. من التجليات التي يمتاز بها واسعو الاطلاع هي القدرة على استشعار الأزمات وتوقع المشكلات قبل وقوعها،
هم لا يعلمون الغيب، لكن مخزونهم المعرفي المتراكم يمكنهم من استخدام قياسات لحظية تستشرف النتائج المستقبلية بناءً على المسببات الآنية، واكتشاف مكامن الخلل ومواطن الضعف (مسبقاً)، وهذا يمنحهم وقتا كافيا للاستعداد وفرصة أكبر لمواجهة الأزمة أو منعها أو الحد من أثارها.