على مدى ثلاثة عقود وأكثر عرفني العمل الإعلامي «في التليفزيون ووكالة الأنباء السعودية» على المسؤولين، ومديري الإدارات الحكومية، وأفراد المجتمع، بالإضافة إلى شخصيات في بعض دول العالم.

في المقابل، تعرضت لمواقف محرجة وأوقات صعبة مصحوبة بقلق وتوتر وترقب، يعرفها من زاول العمل الإعلامي المكتوب والمسموع والمرئي، خاصة إعداد وتقديم البرامج، وتحرير الأخبار وقراءتها.

وأتذكر مسؤولا كبيرا - متعه الله بالصحة والعافية - سألني ذات يوم: لماذا غادرت الحفل بعد انتهائه ولم تحضر مأدبة العشاء؟ فقلت: يا سيدي الوقت والمادة الإعلامية هما ما أجبراني على المغادرة، حتى أتمكن من متابعة تحرير الخبر والصور إلى أن يتم البث العام.


وأردف بسؤال آخر: ماذا تعمل حين تصلك دعوة لمناسبة ما؟ فأوضحت له أنني أتفهمها إذا كانت دعوة من أجل عمل أو دعوة شخصية، وغالبا تكون للعمل، ما يستدعي حضوري والزملاء لتنفيذ خطة التغطية قبل وفي أثناء وبعد الحدث، مع مراعاة الوقت واختيار الموقع المناسب، وعدم «الترزز وفرط الحركة» أمام الحضور، والحرص على تحقيق الوصول إلى مادة إخبارية أو برامجية جيدة قدر المستطاع، مع تركيز شديد ونقل أمين.

عندها تبسم وشد على يدي، وقال: «بارك الله فيك، وفي كل موظف يتفهم حدود عمله ورسالته التي يجب عليه الالتزام بها، ولا يضع نفسه في مكان ليس له».

ورجعت أسأل نفسي: «كيف عرف ذلك المسؤول أنني غادرت فور انتهاء الحفل الخطابي؟ وهل سؤاله كان يروم منه أن يصل، ولو بطريقة غير مباشرة، إلى زملاء في الإعلام والصحافة؟».

أعطاني مثل هذا الموقف درسا مفاده أن الوظيفة مهما كان مُسماها ومرتبتها ما هي إلا أمانة عظيمة ومسؤولية كبيرة، وقدوة أمام رفاق الدرب والمجتمع لممارسة المهام، وتنفيذ التعليمات، وليس الغرور والغطرسة، والتكبر على الناس، واستغلال المنصب.

وتيقنت أن الموظف متى ما أدرك أن معادلة الوظيفة والتقاعد يوجد بينهما عداد أعوام يرصد الأمانة، والتفاني في العمل، والسلوك الحسن، والتعامل الطيب حتى إذا حان وقت الترجل من على الكرسي ظهرت النتيجة إما تقدير وشكر المسؤولين، ودخول ذاكرة الوطن بالأثر الطيب ومحبة المجتمع، واحتضانه له، وتكريمه الدائم، وإلا والعياذ بالله يجد نفسه وحيدا مكتئبا، يفر الناس منه بعدما انحسرت عنه الأضواء، وغاب أصدقاء المصلحة.

إن وطننا الحبيب مهما قدمنا له لا نستطيع رد الجميل، وصدق من قال: «لا تسأل ماذا قدم لك وطنك؟، بل اسأل نفسك مرة أخرى ماذا قدمت أنت لوطنك؟».