عادة ما يكون المغرد السعودي هو الأكثر اندفاعًا في الدفاع عن الوطن، والتفاعل مع قضاياه، وتتبع بعض الحسابات وكشف دسائسها ومكائدها،حتى صرت حينما أقرأ بعض التفاعل مع بعض الأحداث الوطنية والاجتماعية بالذات، أغبط بعض المغردين على سعة الوقت في التفرغ لهذا التطبيق، وغلبة الدهاء في التربص والتدقيق، وشدة الثقة في الرأي والقول. وهذا الأخير هو ما أدخل السفير الياباني في دوامة الحرج حد الاعتذار عن تساؤله، لأن الأغلب انبرى بشكل ساذج لعقد مقارنات بين المجتمعين السعودي والياباني وفضائل الأول ومساوئ الثاني، والبعض يؤكد أن هناك نوايا خبيثة خلف هذا التساؤل، وفتح الاحتمال لخيال مؤامرتي لم يخطر على بالي وأنا التي كنت أظن أن لدي أخصب خيال روائي في الكون، والبعض القليل أساء الأدب في اللفظ على فضول المعرفة التي طلبها بين بحر من البشر المتفاوت التوجهات والعقليات والأفكار مع كل موجة.
كانت الإجابة عن سؤال السفير الياباني أبسط مما احتملته ردات الفعل التويترية التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام العالمية، وقد قالها بالفعل بعض المغردين العقلاء، إن الأمر لا يعدو عن كونه عادة توجد لدى بعض الأسر، وقد تخطتها أسر أخرى أو تتعامل معها بطريقة مزدوجة في الدعوات. ولا يستطيع أحد من عموم المندفعين للهجوم أو الدفاع على السفير أن ينكر أن هذه العادة ما زالت توجد بين كثير من الأسر، أعني عدم كتابة اسم العروس في بطاقات الدعوة، ولا يمكن أن تتفاوض فيها بعض العرائس مع أزواجهم المحتملين أو أسرهم الذين يخفون الاسم في تراكم قديم لثقافة العار والعيب التي تلازم المرأة اسمًا أو وجهًا أو ظهورًا.
لقد انبرى الكثير من المغردين بتكرار أن الإسلام أكرم المرأة وذكرها في مواضع كثيرة، وأننا كعرب نقدر ونحترم المرأة ونعتز باسمها، وما إلى ذلك من تأكيد ينفي الإلماح العفوي في تساؤل السفير. وهنا يسقط في يدي؛ إن كانوا كلهم كذلك، فمن تلك الفئة التي لا تكتب أسماء عرائسها في بطاقات الدعوة ولا في تغريداتهم حين إعلان خبر وفاة أم أو أخت أو قريبة؟ ومن هم الذين نراهم ونسمعهم حولنا يخجلون من ذكر أسماء زوجاتهم أو أخواتهم أمام أصدقاء مقربين أو زملاء عابرين، ومن يتجنب ذكر اسم أمه أمام الآخرين خشية أن يعيره أحد به ويناديه: «يا ولد فلانة»!
نعم لقد تغير الحال الآن عن عهد سابق قريب نعلمه جميعا، ونعلم أسباب الشعور بالعيب والعار من المرأة، ولكن آثاره ما زالت موجودة في العقول والأنفس، ومتجذرة في بعض المواقف بطريقة عفوية ولا إرادية، تشبه عفوية تساؤل السفير الياباني. ولعل أكبر شاهد على أن ثقافة العيب من اسم المرأة كان مسيطرًا بالأمس، وما زال باقيًا لليوم، هو أسماء مدارس البنات في المملكة، التي تحمل نسبة كبيرة من أرقام ويندر أن نجد اسم امرأة له، حتى أني اليوم استعرضت بعض أسماء المدارس في منطقتي، اكتشفت أنها تحمل أسماء رجال بعد ضمها لمدارس الدمج للطفولة المبكرة في السنتين الأخيرتين.
عاداتنا التي ارتبطت بالأدلجة المتطرفة التي تقصي المرأة، وتجاوزتها بعض الأسر وتحايلت عليها أخرى بدعوات خاصة للنساء، لا بأس إن اعترفنا بها، وناقشناها بكل مصداقية وشفافية دون شعور بالحرج من أننا كنا بهذا الوضع الراضخ لعوامل عدة، ثم تغيرنا إلى آخر أو مازلنا نعبر في مسارات التغيير، مهما كانت الأخطاء والعثرات والمعيقات في السابق. لكن الإنكار هو أكبر خطأ نواجه به أنفسنا والآخر، وعدم إدراك أننا في خضم عملية تغيير وتنوير كبرى لهذا الوطن ومكوناته، تغيير يحتم أن نكون أكثر تقبلا للآخر، كما نتقبل أنفسنا وماضينا وأخطاءنا القديمة، وأن ندرك أن هذا التغيير والانفتاح الاقتصادي والسياحي والاجتماعي الذي نشهده في كل مناطقنا، ينبغي أن يرافقه تنوع ثقافي نعلم عنه، ونؤمن به، ونمارسه في حياتنا وتربيتنا لأبنائنا وتعاملاتنا مع الآخر، سواء كان هذا الآخر دبلوماسيا يمارس قوته الدبلوماسية الناعمة من خلال التشارك الاجتماعي والثقافي للدول- كما يفعل السفير الياباني وسفيران آخران- أو الآخر سائحًا، أو زائرًا، أو عميلًا أو مستثمرًا قد يلقي علينا سؤالًا عن مرحلة ما، أو عادة ما، في حياة المجتمع وأفراده، وقد تكون نواياه بريئة أو استفزازية أو أيا تكن، لكن الثقة بالمرحلة، وبشرية البشر، وتفاوت الحالات، هي ما يفرض الإجابة المثلى على أي إشكال، دون مثالية مدعاة، أو استنقاص مهين من الذات أو للآخر.