إعادة الوعول الجبلية لمواطنها الطبيعية وتعاون الجهات ذات العلاقة حول رعاية هذه العودة من أفضل ما يقدم للبيئة، وإن لم يُلمس أثره إلا على المدى البعيد خاصة في تلك الأماكن التي تعرضت كثيرا للإهمال البيئي من صيد للحيوانات المفترسة، وقطع للأشجار والاحتطاب الجائر ورمي النفايات وغيرها من أساليب تراكمت عبر السنين مسببة عدة مشكلات بيئية تحتاج مثيلها من السنين للانتهاء منها ولو نسبيًا، وضعفها من الوقت والجهد للتوعية، والإرشاد وفرض القوانين التي تحمي البيئة وما يشكل ملامحها الرئيسة في كل منطقة.
كان العتب الأكبر على الجهتين اللتين قادتا هذه الخطوة الكبيرة في إطلاقها للوعول الجبلية بالسودة، هو نقص التوعية التي ينبغي أن تسبق مثل هذه العملية في أوساط المجتمع من خلال الوسائط المختلفة، فليس كل الناس على إطلاع للإعلام التقليدي أو الحديث الذي يذكر هذا الخبر لعدة ساعات ثم ينتهي. وكأني بأحد زائري المكان أو ساكنيه، يشاهد وعلا جبليًا أمامه لأول مرة في حياته- على افتراض أن الخمسة عشر وعلًا طليقة خارج أسوار محميات مخصصة- كيف ستكون ردة فعله؟ إحدى ردات الفعل المتوقعة أن يرديه قتيلًا إما للأكل أو التباهي. ولا نستطيع لوم هذا السلوك العدائي مطلقًا ما لم تكن هناك توعية مسبقة لمثل هذه الحملات، وقوانين وغرامات مكتوبة في الأماكن المتوقع وصول الوعول فيها للمساكن والطرقات والمتنزهات.
التوعية المقصودة هنا التي ينبغي أن تسبق مثل هذه الحملات البيئية كإطلاق الوعول البرية، كان بالإمكان أن تتم بالتعاون مع أكبر مؤثر في المجتمعات وأكثرها وصولًا للأسر، من خلال التعليم الذي يتعاون دائمًا توعويًّا وإرشاديًّا مع وزارات مختلفة كالتوعية بالسلامة المرورية أو أضرار المخدرات أو حتى التسويق للفعاليات الوطنية والاجتماعية والثقافية من خلال حزمة برامج مخصصة ولها معايير ومؤشرات فاعلة، وكم كان أجمل أن تطلق مثل هذه الفعالية بحضور عدد من الطلبة من مراحل تعليمية مختلفة يشهدون هذه الانطلاقة التي ستنطلق في ذواتهم تجاه هذا الكائن الذي سيرتبط بهم شعوريا وينمي حس الانتماء والمسؤولية فيهم.
أو أن تكون التوعية أيضًا من خلال مشايخ نواب القبائل في المنطقة أو خطباء الجمعة بعد انتهاء الصلاة بعد تلقيهم توجيهات واضحة بذلك. أو يكتفى بحملة مختصة من الشركات الكبرى، أو هيئات المنطقة المختصة كهيئة تطوير عسير، فلو سبق إطلاق الوعول حملة توعية موجهة توضح التنوع البيئي لمنطقة عسير، والاحتمالات التي قد يحملها هذا التنوع البيئي من وجود كائنات حية مختلفة، وما الذي كان منها وكيف انقرض، وما الخطط الاستراتيجية التي تنوي كل جهة أن تنفذها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وارتباطاتها بالمبادرات الأخرى كالسعودية الخضراء أو رؤية المملكة 2030. بمعنى أن يسبق إطلاق وعل جبلي في السودة واحتمال تعرضه للخطر، حملة منظمة توعويه تجعل رؤيته ورؤية النمر العربي لاحقًا والذئاب والثعالب والطيور النادرة أمرًا متوقعًا، يحفز المجتمع للحفاظ عليها والتعامل معها بوعي ومسؤولية بعيدًا عن عشوائية بقايا طعام البابون الملقاة في كل مكان.