لماذا نكتب؟! ونتغنى بالأحرف ونعزف على أوتار الكلمات لحنًا يُخاطب القلوب قبل العقول، يُشرع أبواب الأحاسيس عنوة دون استئذان، ويختصر آلاف المشاعر التي قد ضللنا سبيل التعبير عنها.

قد يُختزل العمر في سطور وقد نرتشف كأس التجربة من جملة، وقد تُقدم لنا الخُلاصة على طبقٍ من ذهب، قد نجد الوطن في بيتٍ من قصيدة بعد عناء غربة الشعور وقد وقد، كلها في كلمات.

ما لذة السمع لولا الكلام ؟! وما هو وقع الأغاني دون القصائد؟!،ومن أين يَستقي اللحن عذوبته؟ وكيف للخُطب أن تكون؟ وملامح الجمهور التي عن كل اللوح؟ بل إن للكلمات قوة هي أحدّ من السيوف وأقوى من القنابل وأشد وطأةً من الحروب، كما أنها العكس أيضا، فهي السلام والهدنة والصلح، فيها الأُنس ومنها الدواء لآلام قد لا يعرف الطب لها علاجا، ولربما جل ما نطلب بسلم على هيئة حرف.

لربما تُغلق الطرق حين يموت الكلام، ولربما تنهدم الجسور ونقف على حافة الهاوية حيارى، لمجرد أننا لم نَعبُر بالكلمات عما نُريد، ولربما ننتهي لأن الكلام أختنق. وكثيرا ما قرأ الملايين كتابات لامستهم وعبرت عنهم، أبكتهم وأضحكتهم وجُرت الآهات على إثرها دهشةً، وكأننا كتبناها عنهم، رُغم أن من كتبناها لهم لا يقرأون!، ولعل هذا عزاءنا حين كان القصد واحدا، في حين أن المكسب كان جمعا غفيرا. نكتب لأن القلم هو رأس ما لنا الذي لا يعرف الخسارة، المضاربة فيه دائمة الربح، سهمه فينا أخضر مُرتفع بل إنه يرتفع أكثر كلما كسدت الحياة، فثمنه فينا أشبه بطرق الحديد بين اللهب والمطرقة، ربحنا فيه طويل الأمد فلقد تكبدنا دفع العمولة مسبقًا.

القلم لدينا بمثابة الأصول الثابتة التي تضمن لنا الثراء، ثراء من نوع آخر، ثراء فاخر به نتقلد عروش الصدور ونلبس تيجان الود ونأسر الألباب ونُحرر سُجناء التعبير، نُحيي الأمل ونزرع بذور الفرح وننسِفُ الأسى ونقطع أعناق الندم بعد أن نُُؤلف له أُغنية الوداع، تُفرش لنا الأرض ترحابًا أينما حللنا، ترافقنا مواكب التهليل فمرورنا ليس كأي مرور، نحن أصحاب بصمة في زمن كثر فيه الاستنساخ والأشباه، مُستشارنا دومًا عين نستبدلُها عن ألف، فنحن لا نتألم لمجرد الألم بل لنتعلم ولنطرق باب المعرفة فننضج ونصبح بحلةٍ أجمل، ودائمًا نفخر بالتجربة مهما كانت، فيكفينا شرف المحاولة.

نحن شُجعان لا نهاب المجهول، لأننا نملك سراجًا لا ينطفئ، هو الأمل الذي يشرق مع الشمس كل فجر، ومن ذا الذي يحجب الشمس؟! نكتب لأن القلم هويتنا التي سكبناها على الأحرف لتكون عملتنا الفكرية.