ومن أمثلة تلك الأسئلة سؤال: هل الذباب عدو لنا؟.
تناقش بعض الحضور عن الموضوع، أما عني فسرحت بخيالي بعيداً إذ إنني مع إدراكي أن الذباب ينغص نوم الإنسان وطعامه وينكد عليه هدوءه وصفاءه، ولكنه ليس بعدو لنا؛ لأنه لا يتقصد إنسانا بعينه.
إذاً فالعداوة تكون عند الشعور بـ«الشخصنة» أو التعمد.. وربما التشابه الذي يولد التنافس، ومن ثمّ الحسد والكراهية وما إلى ذلك.
هل سمعتم أن إنسانا يحقد على ذبابة أو يغتابها؟ الذباب ليس عدو لنا؛ لأننا تقبلنا فكرة وجوده، وأدركنا أنّ المطالبة بفنائه غير منطقية، بل كانت أقصى أمنياتنا أن يبتعد عن بيوتنا ومساحاتنا الشخصية، وتركنا له المساحات الشاسعة والفضاء الواسع، ولا أعتقد أن عاقلا فكّر أن يلاحق الذباب في الصحارى والقفار حاملا معه مبيدات ونحوها.
قيل لحكيم: كيف تتعامل مع الهموم؟ فقال: لا أعيرها بالاً إلا كما (يكش) أحدنا ذبابة وقفت على أرنبة أنفه، أتراه يشغل باله بها؟، فقيل: فإن عادت؟ قال: أكشها وأهشها وأبعدها ثانية.
قيل: فإن عادت ومعها أفراد عائلتها وصاحباتها وجيرانها؟، قال: آهٍ يا صاحبي لست أدري، إن كان لديك حل فأسعفني، فإنك لن تنجو من الهموم ما دمت على قيد الحياة.
خرجت من الورشة منتعشاً بالمعلومات القيمة والنقاشات المهمة والأجواء اللطيفة والأفكار الراقية، ومزهواً بنفسي لأن مقدمة الورشة قد عرفتني.. يا له من شعور فاخر أن يعرفك أحدهم.. يبدو أنها سمعت عني أو رأت صورتي أثناء قراءتها لمقالاتي العظيمة في صحيفة الوطن.. يا له من حظ سعيد ومؤشر واضح على سَيري في الطريق الصحيح نحو الشهرة والعالمية (والعالمية لم تعد صعبة قوية).. قررت أن أكافئ نفسي وأن أتوجه إلى أقرب مطعم مخملي لتناول طعام العشاء امتنانا لنفسي ولعلي أقابل المشاهير أمثالي..
وفي الطريق انتبهت إلى أنّ بطاقة دخول المؤتمر ما زالت معلقة على عنقي ومكتوب فيها اسمي.. أوه.. معنى ذلك أنّ الأستاذة الفاضلة لم تعرفني من خلال وجهي و(خشتي)، إنما قرأت اسمي فنادتني به.. هذا يعني أنني ما زلت مغمورا..
يا له من إحباط جعلني أغير وجهتي من المطعم المخملي إلى أقرب مطعم فلافل.. اشتريت «صبة» وطلبت منه أن يزيد لي من الشطة لعل الله أن يزيد في عمره وصحته وماله.. وأكلتها داخل المطعم وذبابة لعينة تحوم فوق رأسي، ولكن ذلك لم يمنعني عن مواصلة الاستمتاع بالصبة التي تنساب من أعلاها الطحينة والشطة لتشكل مزيجا كأنه سيل عرمرم في جو ربيعي ماطر.. ثم عدت إلى البيت ونمت قرير العين.