ولكن أيضا لم يكن يعايش طفرة التواصل والاتصال التي نعيشها اليوم، والتي أظهرها المسلسل بعيدا عن حقيقة الوجود الإيجابي والانضباط الإداري آنذاك. استرجعت معها أطلال مقالات كتبتها تقريبا في تلك الفترة تقريبا تحت عنوان «الأمن الذي ألفناه»، وكانت تتناول الهاجس الأمني بمفهوم عصري مواكب، ينظر بعيون الماضي والحاضر والمستقبل الذي يعتمد على الشمولية، التي تبنى على تضافر جهود الجميع، والمسخرة لخدمة المجتمع ككل آنذاك، وكانت تأتي أكلها مثمرة ويانعة، خصوصا في مجتمع متكاتف كالمجتمع السعودي الذي يميزه عمن سواه وبمراحل أنه ينصهر مع بعضه بروح الفريق الواحد، أو بمعنى أصح «الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ينظر للماضي فيستخلص منه العبر ويوجد البدائل ويرفع من مستوى الأداء، وينظر للحاضر فيمحص الحلول ويطبق النتائج ويعالج جوانب القصور، ويستشرف المستقبل من خلال الاستفادة من الماضي والحاضر، وصهر مخزون تلك المستنتجات إلى مستقبل أكثر نضجا وعطاء، مما يؤكد واقع المملكة وسجلها الأمني النظيف والمتصدر قائمة الدول الأكثر أمنا منذ تسعة عقود، وذات البعد المستقبلي الأكثر شمولا والأعمق اهتماما.
ولا أعتقد أن أحداً هنا أو هناك أو في أي مكان على سطح هذه المعمورة- وبحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة- يجهل ما تتمتع به المملكة من أمن وارف وطمأنينة مميزة، يشهد بها القاصي والداني.
وما كان ذلك ليكون لولا المنهجية والمنظومة المتكاملة، وأن الأمن في المملكة مبني على قواعد ثابتة وأسس متينة، يستمد قوته وفاعليته من كتاب الله وسنة رسوله، والتي أثبتت من خلال الأمن المستتب والشامل في المملكة، أنها ثوابت وقيم صالحة لكل زمان ومكان، وقادرة على التعامل مع كل صغيرة وكبيرة تهم الهاجس الأمني والمتمثل في أمن المواطن والمقيم.
وفي المملكة تعودنا على أن كل مواطن هو رجل أمن، كل في مجال عمله ووجهة سيره، لهذا تعاظمت المسؤوليات، وتعاضدت السواعد، وتماسكت اللحمة، واشرأبت النفوس إلى توارث أمني مميز ومستقبل دوما متجدد، هو- بإذن الله- أكثر طمأنينة، بقيت معه المملكة، ولله الحمد، بمنأى عما يدور في العالم من مشاكل ومعوقات، ومفتوحة على العالم من خلال منافذ تعطي الجانب الأمني مساحة لا يستهان بها، لأنه في النهاية، لا أجمل ولا أغنى- كما أسلفت - من «السلامة في الأبدان والأمن في الأوطان»، واستشراف كل ما من شأنه ذي علاقة قوية بالجانب الأمني، متوجا باستشعار دور المواطن والمقيم في مساندة رجل الأمن، لتلافي كثير من السلبيات التي ستضيق وتتقلص- بإذن الله- لترابط جهود وآمال وأهداف الجميع سواء مجتمعا أو إعلاما.
وإذا كان هناك بعض الجوانب المعتمة في تعامل بعض رجال الأمن، فهي- ولله الحمد- في زوايا مخنوقة ومساحات ضيقة، وليست كما حاول المسلسل تضخيمها، وفي حدث كبير لا تطغى بأي حال من الأحوال على الجوانب المشرقة التي تتجلى بوضوح في تجليات وعطاءات رجال الأمن بصفة عامة.
ولعل من أهم جوانب القصور، ضيق مساحة التعامل عند البعض وهم قلة، ولله الحمد، ويتنافى ذلك مع الرغبة الصادقة التي يوليها المسؤولون في قطاعات الأمن جل اهتمامهم، واختيار الأشخاص الأكفاء للمساهمة، كل بجهده وفي مجال تخصصه، ما يجعلها تنكب ليل نهار، تدرس كل الوسائل والطرق الكفيلة بتجنيب هذا المجتمع بكل فئاته، أخطار الجريمة والوقاية من وقوعها، والعمل على علاجها إذا وقعت، وذلك، بفضل الله، في أضيق الحدود. فرجل الأمن إضافة إلى كونه مواطنا، هو مجموعة من الخبرة والتمرس والدراية واليقظة وسرعة البديهة، وحسن التعامل وسرعة التجاوب المناسب والفعال.
ويتـفرد رجل الأمن بأنه قد يجمع بين العديد من المهن، فكما أسلفت يتميز بأن يسعى للوقاية، وهذه أهم وأولى خطواته العملية الأمنية، ولكن الوقاية من مخاطر أغلبها وأخطرها غير ماثلة ولا مشخصة ولا يسبقها أعراض في الغالب، فتظل - معها- مهمته أقسى وأمر، وتتطلب ديمومة الجد والحذر، وأن يكون معه المصل الواقي والتطعيم الأجدى نفعا في مثل ذلك، خدمة للصالح العام وعلى الأمد البعيد. ورجل الأمن يبدع إذا وجد مساحة يستنتج من خلالها الحقائق والمعلومات، القادرة على استكشاف الواقعة ومعالجتها.
ما ظهر في المسلسل من اجتهادات فردية خارج بروتوكول الانضباط العسكري، وخارج المسار السليم، وما ظهر من تواكل وسلبيات كبار المسؤولين، واستصدار شيكات مليونية، واستخدام طائرات، وعبرالحدود بتصرفات فردية، وامتهان البزة العسكرية التي تمثل قيما ومثلا وانضباطا، لا يمت لواقع الانضباط الأمني وتسلسل المهام بصلة، بل تجاوزات غير محسوبة وقع فيها المسلسل، وتشويه أبعد ما يكون عن فيلم وثائقي، التفصيل في ذلك يطول ولي معه قريبا- بإذن الله- حديث أشمل.
وختاما لا بد أن نوجه الشكر والتقدير لرجال الأمن كافة، الذين يحرصون دوما على أن يعطوا جوانب الأمن والطمأنينة لكافة من على هذا الثرى المبارك، جلّ اهتمامهم، ونثمن ونقدر بكل فخر على مر الزمن جهودهم وتضحياتهم ونبل مقاصدهم، لينعم الجميع بهذا الأمن الوارف الظلال، وهذه الطمأنينة التي تعد أكبر وأجل ثمار الأمن الشامل المستتب.