أتحسب أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
إن الوسوسة قد تكون في مجال الحساب أو الكتابة أو القراءة أو في تنظيم الأشياء وترتيبها، فهو يطلب الكمال فيها ويعيد فيها مرة بعد مرة، لأنه يشك في استكمال ما قام به فعلا، وهو يكرر فعله بغية الوصول إلى الكمال المطلق الذي هو مستحيل طبعاً.
يجب ألا ننسي أن الوسوسة هي من أهم العوامل التي تعرقل نجاح الإنسان في حياته، فالإنسان الناجح هو الذي يستخدم موهبته في المجال الذي يعمل فيه، ومشكلة الوسوسة أنها لا تسمح للإنسان بأن يستخدم موهبته استخداما طبيعيا، إذ إن التدقيق الشديد المبتلى به يجعله يهمل إلهام موهبته ويشغل نفسه بالتكرار الذي لا جدوى فيه.
اتضح الآن علمياً أن كل مهنة في الحياة تحتاج إلى موهبة خاصة بها، ومن العبث أن يحاول الإنسان النجاح في مهنة لا موهبة له فيها فهو يكدح بلا جدوى. ومن الجدير بالذكر أن الموهبة تلقائية ولا شعورية في الغالب، والذي يريد أن يستثمر موهبته إلى الدرجة القصوى يجب أن ينسجم معها ويستجيب لإلهامها دون تردد بأنه يدري أنه معرض للخطأ في أعماله ولكنه لا يبالي بذلك، لأن المنفعة التي تأتيه من الانسجام مع الموهبة هي أكثر من الضرر الذي ينتج من الخطأ. مشكلة الموسوس أنه لا يفهم هذا أو هو لا يستطيع أن يفهمه، وهو كثيرا ما يفقد إلهام الموهبة من جراء انشغاله في التدقيق والاستكمال، إنه يخشى من الخطأ وينسى أن الخطأ محتوم في الإنسان لا مفر منه.
إن الموسوس يريد أن يجعل عمله كاملا لا خطأ فيه ولا نقص وهو لا يدري أن الخطأ لا مناص فيه في كل عمل يقوم به الإنسان.
1958*
*عالم اجتماع ومؤرخ عراقي «1913 - 1995»
اتضح علمياً أن كل مهنة في الحياة تحتاج إلى موهبة خاصة بها، ومن العبث أن يحاول الإنسان النجاح في مهنة لا موهبة له فيها، فهو يكدح بلا جدوى