أشعل وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ الفتيل، وأوقد حماسا علميا وتربويا في سبيل نواتج تعلّم يمكن الاتكاء عليها في تعليمنا، ويمكن المراهنة عليها في مستقبل الأيام، خاصة عندما يتعلق الأمر بمركز المملكة العربية السعودية بين دول العالم في الاختبارات الدولية (TIMMS - PIRLS - PISA)، وأين تقع المملكة بالمقارنة مع دول العالم في تصنيف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، وهذا كله يحتاج فعليا إلى جهود كبيرة ومضاعفة وإلى خطوات علمية وعملية، وإجراءات سريعة، وربما أذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إلى (خطة إصلاح التعليم - Plan for Education Reform)، وهذا ما وجدته ضمن إستراتيجية جمهورية كوريا الجنوبية إبان زيارتي لها في أكتوبر 2018 ضمن برنامج بناء القدرات الذي أطلقته الوزارة ضمن برامج التحول الوطني 2020، وشارك فيه عدد من منسوبي الوزارة، وركّز على سياسات التعليم في كوريا الجنوبية، ولفت نظري بشكل كبير إصلاحات التعليم التي خططت لها الحكومة الكورية، سواء في التعليم العام أو التعليم العالي، وكلها حققت هدفا سعت من أجله كوريا الجنوبية ليكون لديها نواتج تعلّم متقدمة على مستوى العالم، وأصبحت من الدول المتقدمة على مستوى العالم في مقياس (OECD). إن تلك الإصلاحات انطلقت من عدة مبادئ أهمها: الاعتناء الكبير بالمعلم ووضع العلماء في أعلى رتبة السلم الاجتماعي، والرفع من قيمة مهنة المعلم في المجتمع، فضلا عن وجود شروط قاسية لا بد للمتقدم لمهنة التعليم من اجتيازها، وكذلك التدريب المستمر والمتابعة والمحاسبية المهنية والإدارية، والفروض اليومية التي يقوم بها المعلم مع طلابه، وقياس مدى مناسبته لتلك المهنة، وكذلك الاهتمام البالغ بالمناهج الدراسية التي تتواكب مع التقدم العلمي العالمي من جهة ومتطلبات الاقتصاد والتنمية التي تحتاجها الدولة. كما ركزت على الشراكة المتينة مع الأسرة ودورها في دعم العملية التعليمية. ودعت بشكل واضح إلى إكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية والتطوير النوعي للتربية العملية، وأكدت على أن الإصلاح يبدأ من الأسفل (الابتدائي ثم الثانوي.. وهكذا)، والمواءمة بين التعليم والتصنيع والاقتصاد، وفي الوقت ذاته تعددت الخيارات أمام طلاب المرحلة الثانوية، وتنوعت المسارات على الرغم من أن المرحلة الثانوية ليست إجبارية في التعليم الكوري، وسيكون لي مقال منفصل -بإذن الله- حول هذه المسارات، باختصار: (التعليم هو الحل). إن العودة لمراجعة نواتج التعلم الحالية، خاصة فيما يتعلق بالمهارات الأساسية (القراءة - الكتابة - الفهم القرائي)، علاوة على المفاهيم الأساسية في الرياضيات والعلوم، ستكون مفتاحا رئيسيا لوضع خطة إصلاح التعليم بناء على التحليل العلمي الصادق المبني على معلومات متكاملة وحقيقية، وكما هو معروف فإن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى في حلها. وأجزم هنا أن معالي الوزير وضع المشرط في المكان الصحيح، وبقي أن يتم تشريح الجرح وتشخيص حالته بدقة واكتشاف مسبباته ووضع افتراضات المعالجة واختيار أفضلها، وأجزم كذلك أن المجتمع بأكمله تشارك معه في الشعور بأهمية التحرك السريع للمعالجة والتشارك في ذلك، والإيمان بتكامل الأدوار من أجل إيجاد الحلول والبدء بها بالسرعة المطلوبة، وأؤكد كذلك أن المجتمع التعليمي بدأ في تغيير بوصلة العمل داخل المدرسة، ليكون أكثر فاعلية وتأثيرا على الطلاب ويصب في مصلحة التحصيل الدراسي والتميز العلمي بالدرجة الأولى. ولذلك فعلى سبيل المثال، فإن طالب الصفوف الأولية عندنا يكتب اسمه بكل ثقة وبخط واضح وعندما يقرأ سطرا مكونا من ست كلمات على الأقل بكل طلاقة، وعندما يقرأ السؤال بتروٍّ ويعلن عن فهمه لما قرأ ويعلن إجابته الصحيحة، فهذا يعني أنه تلقى تعليما مفيدا ومركزا ساعده على المضي قدما في التعلّم، وسينتج عن ذلك أيضا مزيد من الرغبة والشغف في اكتساب المعرفة والمهارات، فالطفل في هذه المرحلة لديه الفضول للاستكشاف والتحدي. كما أن المعلم الذي لديه حب واعتزاز بالرسالة التي يؤديها والعمل الذي يقوم به، ويعرف تماما الأدوار المطلوبة منه وهو متوجه إلى مدرسته، متزودا بالمعارف المطلوبة والمهارات والممارسات التدريسية الحديثة التي تسهل وصول المعلومات لطلابه وتسهم في تجاوبهم وتفاعلهم، سيكون له الدور المأمول، والوصول إلى نواتج تعلم متوقعة ومؤثرة. ومن هنا تبرز أهمية الوقوف على الوضع الحالي والاعتراف بما لدينا حقيقة في تعليمنا في المراحل الدراسية كافة، سواء في التعليم العام أو التعليم العالي، وتحديد ماذا نريد مستقبلا أن يحققه التعليم من تنمية مستدامة واقتصاد مزدهر يقوده مجتمع حيوي في وطن طموح.