محمد العزي

هذه العبارة تتجاوز حدودها اللفظية، لتغوص في أعماق النفس البشرية، حيث تكشف عن تناقضات الروح بين الظاهر والباطن، بين الخيال والحقيقة، بين الهروب والمواجهة.

في الليل، حين يختفي ضوء الشمس. وتغرق الأشياء وسط الظلام حينها تخرج الكلمات من جحورها، مُثقلة بما يعتمل في النفس من مشاعر وأحلام ووعود، وكأن الليل وحده هو الحاضن الأمين لها، يحفظها بعيدًا عن أعين النهار الساهرة التي تراقب كل شيء.

الليل يرمز إلى ذلك الحيز الذي نسمح فيه لأنفسنا بأن نكون كما نحن، بلا أقنعة، بلا تصنع. هو مساحة الحرية التي تفتح فيها النفس مغاليقها، وتبوح بما تخفيه من رغبات ومخاوف. لكن النهار، بسطوعه الصارخ، يأتي ليعيد ترتيب الفوضى العاطفية، يسلط الضوء على ما كان مختبئًا، ويواجهنا بالحقيقة المجردة. إنه يمثل الوعي الذي يُبطل سحر الليل ويجرد تلك الكلمات من رومانسيتها ويكشف هشاشتها.

كلام الليل، بما يحمله من صدق لحظي وانفعال عاطفي، لا يصمد أمام نور النهار الذي يُغربل الحقيقة من الوهم. الليل هو لحظة الهروب، أما النهار فهو لحظة المواجهة بين ما نتمناه وما نعيشه، بين ما نقوله تحت جنح الظلام وما نفعله عندما تُشرق شمس الحقيقة.