أصابتنا العدوى فلم نعد نستعمل الأمثال في أحاديثنا. لأن من نحدثهم من الشباب لا يفهمون معانيها. فنضطر إلى إخلاء أحاديثنا منها حتى لا نستعمل ما لا معنى له. وإن مخاطبة الناس على قدر عقولهم من مكارم الأخلاق. وهكذا خلت اللغة العامية من الأمثال فخلت من جانب رائع من جوانبها الأدبية.

وألف بعض الأدباء فى مختلف أقطار العربية كتباً في الأمثال العامية جمعت طائفة كبيرة منها. وأذكر على سبيل المثال الأستاذ حسين عبدالله محضر، رحمه الله، الذي ألف كتاباً لطيفاً في أمثال الحجاز العامية. وإن كان موته ترك فراغاً لأمثال عامية كثيرة في حاجة إلى من يجمعها ويدونها فيملأ ذلك الفراغ.

وأنا وإن كنت خصماً للعامية إلا أنني أستثني من خصومتي إياها الأمثال. لأنها مرآة تعكس حياتنا الاجتماعية والأدبية والثقافية وعاداتنا وتقاليدنا التي لم ندوَّنها فدونتها الأمثال.


وكثير من أمثالنا العامية من الفصحى حرفتها العامية. وعندما يقوم الدارسون بجمع الأمثال العامية الحجازية ودراستها ومقارنتها بالأمثال الفصيحة فسيجدون طائفة كبيرة منها في العامية التي أخذت من الفصحى آلاف الكلمات. وحرَّفت بعضها كما حرفت ما أخذت من الفصحى.

وذات سنة عنت لي فكرة جمع أمثال الحجاز العامية ومقارنتها بأمثال شعوب الأمة العربية كالعراق ومصر والأردن والسودان وسوريا والبحرين وتونس، ثم ذكر ما يقابله من أمثال الفصحى. وذكرت من أمثال بعض الأقطار الإسلامية والأوربية طائفة طيبة. وقطعت في العمل شوطاً ثم تركته. ثم ضاعت الأوراق ففقدتُ بحثاً لطيفاً.

وفي بلادنا من جمعوا الأمثال العامية. فبعض أدباء نجد جمعوا أمثالها، وكذلك الحجاز.

ومن الدراسات في باب الأمثال ما كتبه الدكتور عمر الطيب الساسي في الأمثال الألمانية مع ذكر ما يقابلها في العربية.

ودار الحديث غير مرة في الأمثال وكان الدكتور أحمد خالد البدلي حاضراًـ وذكر من حافظته طائفة من الأمثال الفارسية وما يقابلها من الأمثال العربية الفصيحة. ولكني لا أدري إذا كان ترجم الأمثال الفارسية ومعانيها وما يقابلها في العربية، وإذا لم يقم بذلك فأرجو أن يقوم به. لأن في ذلك خدمة للأدب العربي. والدكتور البدلي حصل على الدكتوراه فى التاريخ من إحدى جامعات طهران، أما الدكتور الساسي فقد نال الدكتوراه من إحدى جامعات ألمانيا الغربية.

وما دام شباب هذه الأيام منصرفين عن الأمثال كل الانصراف فإن من الخير تدوين الأمثال العامية في الحجاز حاضرة وبادية قبل أن يمحو النسيان منها ما نحن بحاجة إلى الاستدلال به على لهجات أهل الحجاز وما فيها من الغريب الفصيح، وعلى العادات والقيم الأخلاقية وآداب اللياقة والسلوك، وعلى ثقافة العامة وأفكارهم وحياتهم الاجتماعية، وعلى التطور وما حدث في المجتمع من تغيير كبير قضى على كثير من الموروثات الأصيلة.

1974*

* كاتب وصحفي سعودي «1916 - 1991».