تنطوي الأيام برصيد أعمارنا بين الأمنيات والإنجازات، وعند ناصية الأحلام وأعمدة الطموحات التي نكتب فيها أمنياتنا، نمني أنفسنا بذلك العام الذي لن ينجلي إلا بتحقيق تلك الأفكار التي اختزلت انعكاساتها على تجربتنا الإنسانية.

نحلم ونخطط وننفذ بناء على الواقع، وإلا فإن أحلام اليقظة ستكتنف متاهات الصمت، متربعة في أروقة النسيان. أعلم يقينا أن الكثير يريد أن يبدأ مع العام الجديد بدايات قوية، والبعض يحقق ما يصبو إليه، والآخر تراوده الأفكار كقطرة ماء في السماء بمجرد هطولها تختفي ملامحها.

وهنا أقول: يجب أن تكون أحلامنا واقعية وقابلة للتنفيذ، مع الأخذ في الاعتبار عدم الاستعجال، فالإنجازات تقاس بالعمل الدؤوب، والاستمرارية هي سيدة الموقف.


لا تجعل بداياتك دائما محددة بعام معين أو حتى مطلع العام تبدأ، فالحماسة هي ما تجعلك تكتب جميع الأهداف على خارطة الطريق دفعة واحدة، بينما التركيز على هدف معين أو هدفين هو ما يجعلك تسدد نجاحك في أحضان مرمى إنجازاتك.

إذا أردت أن تبدأ فابدأ من هذه اللحظة، ولا تقيد نفسك في سباق العام الجديد، لتكتب ما تستطيع كتابته من أفكارك التي تريد تطبيقها دون أن تكون للإرادة اليد العليا.

لا تجعل بريق العام الجديد البداية، بل أربط كل إنجاز بإنجاز آخر، وكأن الحياة سلسلة من الممارسات التي نواتها مستوى الوعي الذي تملكه في سبر أغوار نفسك ومعرفة إمكاناتها.

وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إن قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها»، ففي ذلك حث على العمل على الرغم من هول المنظر وإعمار الأرض، وأن يكون المسلم إيجابيا، وأن ينفع مجتمعه هو خير له في كل الأحوال.

وعليه، فإن الحياة تلزمنا بأن نكون نافعين لأنفسنا والمجتمع مهما تكن الظروف والمصاعب. ومن هنا، فإن التفكير النقدي هو أساس التغلب على المصاعب.

أن ترى جميع العقبات التي تواجهك، وتفكر بطريقة نقدية لحلها بشتى الطرق، لذلك سوف تجد اهتماما كبيرا بالدورات التدريبية التي تشرح آليات استخدام التفكير النقدي في بيئة العمل.

حتى أحلامك التي تسعى لتحقيقها إذا ما وضعتها تحت بوصلة التفكير النقدي، فحتما ستمتلك تلك المرونة العالية في تعديل، وحذف، وتطوير تلك الطموحات بما تراه قابلا للقياس والتنفيذ.

وكما يقول كولن باول: «الحلم لا يصبح حقيقة من خلال السحر، بل يتطلب الأمر التصميم والعمل الجاد»، والتصميم والعمل الجاد يربط بينهما خيط رفيع يُسمى «الاستمرارية»، ودونما استمرارية لن تنال مرادك، فالعمل الجاد إن جاء مرة واحدة سيذهب في مهب الريح، فالاستدامة هي حجر الأساس.

الاستدامة هي الشجرة الخضراء اليانعة التي تسقيها بالتوكل على الله تعالى، فكن مستدام العمل بما تملكه من وقود يغذي أواصر العطاء لديك، وتذكر أن الحياة مرة واحدة.

هناك العديد من الأموات في القبور يمتلكون أهدافا عظيمة، ولكنهم لم يؤمنوا بقدراتهم ولم يستمروا لبلورتها وإخراجها للعلن، لذلك إذا أردت أن تموت فمت فارغا من أي أفكار عظيمة، وشمر عن سواعدك، وانفع نفسك بانعكاسات خبراتك الحياتية، لتترك أثرا وتبني مجدا.

واختم مقالي بهذا البيت لكعب بن زهير:

وَالمَرءُ ما عاشَ مَمدودٌ لَهُ أمَلٌ**لا تَنتَهي العَينُ حَتّى يَنتَهي الأَثَرُ