زرت في نهاية 2024 منطقة البلد في جدة، وكانت تجربة استثنائية بكل المقاييس. بدت التغييرات الكبيرة واضحة للعيان، عاكسة مستقبلًا سياحيًا واعدًا ومحققة للأهداف الطموحة لرؤية 2030. خلال جولتي في المنطقة، شعرت بعبق التاريخ يتناغم مع لمسات التطوير الحديثة التي جعلت من هذا المكان وجهة عالمية تجمع بين التراث الأصيل والحداثة المتجددة.

تُعد منطقة البلد واحدة من أعرق المناطق التاريخية في المملكة العربية السعودية، حيث يمتد تاريخها لأكثر من 500 عام. أزقتها الضيقة ومبانيها المزينة بـ«الرواشين» الخشبية تروي قصصًا عن ماضٍ مزدهر، وتعكس براعة الحرفيين وتأثير التبادل الثقافي مع مختلف الحضارات وهو ما يميز مدينة جدة.

هذه المنطقة التاريخية، المُدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، تمثل شاهدًا حيًا على تاريخ جدة العريق ودورها كبوابة للبحر الأحمر ومركز تجاري عالمي، إضافة إلى كونها محطة رئيسية لاستقبال الحجاج والمعتمرين.


في عام 2018، أُطلق برنامج جدة التاريخية بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، بهدف الحفاظ على تراث المنطقة المادي وغير المادي وتطويرها. وفي عام 2021، أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مشروع «إعادة إحياء جدة التاريخية»، الذي يهدف إلى استثمار موارد المنطقة الثقافية لتحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز مكانة جدة كوجهة سياحية وثقافية عالمية.

شهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة تنفيذ مشاريع عديدة أسهمت في تجديدها وإحيائها، من أبرزها:

ترميم المباني الأثرية: شملت هذه الجهود إعادة تأهيل البيوت والأسواق القديمة باستخدام تقنيات ومواد تحافظ على أصالتها.

تطوير الأسواق التقليدية: مثل سوق الندى وسوق قابل، التي أصبحت أكثر جاذبية للزوار مع الحفاظ على طابعها التراثي.

تنظيم الفعاليات الثقافية: مهرجانات وفعاليات فنية دورية تُبرز الثقافة والفن السعودي.

تحسين البنية التحتية: توفير مرافق حديثة وخدمات تسهل على الزوار التنقل والاستمتاع بتجربة استثنائية.

خلال زيارتي، لفتتني تفاصيل صغيرة أضافت طابعًا فريدًا للمنطقة، مثل بيوت القطط التي تنتشر في زواياها وتُضفي لمسة لطيفة على المكان، والمعالم التاريخية التي تحكي قصصًا ملهمة مثل المتاحف والمساجد القديمة. التنظيم الجيد للمنطقة وترتيب الأزقة جعلا التجول فيها ممتعًا ومريحًا، بينما وفرت الكتابات التعريفية المنتشرة في كل مكان معلومات قيمة عن تاريخ المنطقة والشخصيات التي عاشت فيها.

اليوم، أصبحت منطقة البلد أكثر من مجرد منطقة تاريخية؛ إنها رمز لتراث المملكة العربية السعودية وثقافتها العريقة. بفضل الجهود المبذولة في تطويرها، تحولت إلى وجهة سياحية ملهمة تجمع بين الماضي والحاضر، وتتيح للزوار فرصة فريدة لاستكشاف جمال التراث السعودي الأصيل بطريقة عصرية. لا شك أن منطقة البلد ستظل جزءًا مهمًا من ذاكرة جدة ورمزًا حيًا للتناغم بين الأصالة والحداثة، ما يجعلها مثالًا حيًا على رؤية المملكة 2030.

لمن يرغب في معرفة المزيد عن منطقة البلد، يمكن زيارة الموقع الرسمي المخصص لها jeddahalbalad.sa، والذي يقدم معلومات شاملة عن المنطقة باللغتين العربية والإنجليزية.

سعيدة وفخورة بك يا وطني، لما وصلت إليه من تطور وازدهار، ولما تحمله من عراقة وحضارة تُلهم العالم أجمع.