مع كل انطلاقة عام جديد، نجد أنفسنا في مواجهة لحظة تأمل حاسمة، حيث نتوقف لننظر إلى الوراء، لنستعرض إنجازاتنا وانكساراتنا، ونلقي نظرة متفائلة نحو المستقبل، بكل ما يحمله من فرص وأهداف. في هذه اللحظة، تتقاطع الفلسفة مع حياتنا اليومية، لتذكّرنا بطبيعة الزمن، ودور الإرادة في تشكيل مصيرنا. يقول الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر إن الإنسان يعيش في «تجربة الزمان»، حيث يكون وجودنا محصورًا بين الماضي الذي لا نستطيع تغييره، والمستقبل الذي لا نضمنه. نحن، في نهاية المطاف، كائنات تعيش في الحاضر فقط.

لكن وداع عامٍ حافلٍ بالإنجازات هو أكثر من مجرد لحظة تأمل في الماضي؛ إنه اعتراف بأن الزمن ليس عدوًا كما نتصوره أحيانًا، بل أداة نصنع بها حياتنا. ولعل رؤية السعودية المجيدة 2030 خير مثال على ذلك. فمن خلال تحديد أهداف واضحة للمستقبل، واستثمار موارد الحاضر، واستلهام دروس الماضي، تمكنت المملكة من تحقيق قفزات نوعية في مختلف المجالات.

عندما نستعرض إنجازاتنا، فإننا نمنح لحظات الماضي قيمة جديدة، ونؤكد قدرتنا على تحويل الزمن إلى حليف، عبر العمل والتخطيط. الإنجازات التي حققناها في العام الماضي وأنها ليست مجرد أرقام أو ألقاب نضيفها إلى سيرتنا الذاتية، بل هي ثمار الإرادة والتحدي.


قال جان بول سارتر: «الإنسان محكوم بأن يكون حرًا». نحن لسنا أسرى الظروف أو الحظ، بل نصنع وجودنا من خلال قراراتنا وأفعالنا. الإنجازات تعكس قدرتنا على تحويل الأفكار إلى أفعال، والأحلام إلى واقع. لكنها في الوقت نفسه تذكير بأن الحياة ليست قائمة على الإنجاز فقط، بل على الرحلة التي نخوضها لتحقيقه. وفي رؤيتنا 2030، نجد أن رحلة التحول لا تقل أهمية عن الوصول إلى الأهداف النهائية. فالتركيز على بناء قدرات المواطن السعودي، وتطوير البنية التحتية، وتنويع مصادر الدخل، هي خطوات أساسية في رحلة بناء مستقبل مستدام. واستقبال عام جديد هو احتضان لفكرة المستقبل، تلك اللحظة التي تلخصها الفلسفة بعبارة «الإمكان».

يتيح لنا المستقبل إعادة تعريف ذواتنا، وتصحيح مساراتنا، وصنع أهداف جديدة. قال فريدريك نيتشه: «ما يحدد حياتنا ليس ما حدث لنا، بل ما ننوي أن نكون عليه».

العام الجديد هو فرصة لتجاوز إخفاقات الماضي، ولرسم خطط أكثر طموحًا وشجاعة. لكنه في الوقت نفسه يدعونا لنتذكر أن الزمن القادم ليس مضمونًا، وأن قيمة الخطط تكمن في العمل عليها، لا في مجرد وضعها. وهذا ما تؤكده رؤية 2030 من خلال وضع خطط طموحة ولكنها واقعية، مع التركيز على تنفيذها بفعالية ومتابعة التقدم باستمرار. في سباقنا نحو الإنجاز، أحيانًا قد ننسى قيمة اللحظة الراهنة. يقول عن ذلك: إيكهارت تول، أحد أبرز الفلاسفة المعاصرين، حيث يؤكد أن «اللحظة الحالية هي كل ما نملك فعلًا». الحاضر هو نقطة القوة التي يمكننا منها الانطلاق نحو المستقبل، وهو الوسيط الذي نحول فيه الإمكانات إلى حقائق.

عيش اللحظة الحاضرة بكل تفاصيلها هو ما يمكننا من تحقيق أهداف رؤية 2030. فهذه الرؤية ليست مجرد وثيقة أو خطة عمل، بل هي رحلة مستمرة تتطلب مشاركة جميع أفراد المجتمع في صنع المستقبل.

توديع عامًا حافلًا بالإنجازات يجب أن يكون مصحوبًا بامتنان عميق: امتنان للفرص التي أتيحت لنا، وللأشخاص الذين ساندونا، وللإرادة التي دفعتنا لتحقيق ما حققناه وشكر للباري الذي أمدنا بالعون والإرشاد.

في المقابل، يجب أن نستقبل العام الجديد بطاقة متجددة، تنطلق من إيمان عميق بأننا قادرون على تحقيق المزيد. الماضي كان تجربة، والمستقبل فرصة، لكن الحاضر هو المنصة التي نصنع منها كل شيء. بين وداع عام واستقبال آخر، نجد أنفسنا أمام دعوة فلسفية للتوازن: التوازن بين التقدير لما مضى، والتطلع لما سيأتي، وبين الإيمان بقدرتنا على التغيير، والاعتراف بما هو خارج عن سيطرتنا. كما قال فيكتور فرانكل، مؤلف «الإنسان يبحث عن معنى»: «الحياة ليست ما نتوقعه منها، بل ما نتوقعه من أنفسنا».

مع بداية هذا العام الجديد، دعونا نحمل معنا حكمة الماضي، ونستلهم شجاعة الحاضر، ونفتح قلوبنا للأفق الواسع الذي يحمله المستقبل. فالعالم مليء بالفرص، والطموح هو الوقود الذي يقودنا نحو تحقيقها. ومع رؤية 2030، نحن على ثقة بأن المملكة العربية السعودية تسير في الاتجاه الصحيح نحو مستقبل واعد ومزدهر.