لم يقتصر تأثير التسليع على المنتجات المادية فقط، بل امتد إلى قطاعات أخرى كانت تُقدم سابقًا من قبل الدولة بشكل مجاني أو بتكلفة مدعومة، مثل التعليم، الرعاية الصحية، والإسكان. أصبحت هذه الخدمات اليوم تتطلب تكاليف مالية مرتفعة، رغم وجود دعم حكومي لها في المدارس الحكومية إلا أن المجتمع يرى أن التعليم المدفوع ذو جودة أعلى وينعكس بشكل أفضل على أطفالهم مما أدى إلى تفاقم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في الصين. الأسر الصينية، خصوصًا في المدن الكبرى، تواجه ضغوطًا متزايدة لتأمين التعليم الجيد، الرعاية الصحية، والسكن الملائم، مما يعكس عمق تأثير التسليع في هذه المجالات الحيوية. من ناحية أخرى، رغم أن الصين لا تزال دولة شيوعية من الناحية السياسية، فإن اقتصادها يتبنى كثيرًا من عناصر الرأسمالية. تطور الاقتصاد الصيني ليصبح من أكبر الاقتصادات في العالم، معتمدًا على استثمارات رأسمالية ضخمة من الداخل والخارج. يشكل القطاع الخاص اليوم جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الصيني، حيث تسهم الشركات الخاصة بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن الرأسمالية في الصين تختلف عن النموذج الغربي التقليدي؛ ففي حين تعتمد الرأسمالية الغربية على السوق الحرة والملكية الفردية، فإن الرأسمالية في الصين تخضع لسيطرة الدولة. تحتفظ الحكومة بدور كبير في توجيه الاقتصاد من خلال الشركات المملوكة للدولة والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية. هذا المزيج الفريد من الرأسمالية والتخطيط المركزي ساعد الصين على تحقيق نمو اقتصادي غير مسبوق مع الحفاظ على بعض السيطرة السياسية والاجتماعية.
رغم النجاح الاقتصادي، خلق التحول نحو الرأسمالية تحديات اجتماعية كبيرة. أدى نمو القطاع الخاص وزيادة المنافسة إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المدن الكبرى أدى إلى هجرة كبيرة من الريف إلى المدن بحثًا عن فرص عمل أفضل. هذه التحولات الاقتصادية أحدثت تأثيرًا عميقًا في البنية الاجتماعية الصينية، في المقابل، أصبحت الفوارق الاجتماعية أكثر وضوحًا، لا سيما مع تزايد التفاوت في مستوى المعيشة والفرص الاقتصادية بين طبقات المجتمع المختلفة. إضافة إلى ذلك، شهدت البلاد تحولًا نحو الفردية والاستهلاك كقيمة مركزية في المجتمع. هذا التغيير الاجتماعي يعكس تأثير الرأسمالية المتزايدة على المجتمع الصيني.
يشكل التسليع والرأسمالية جزءًا أساسيًا من التحول الذي شهده المجتمع الصيني في العقود الأخيرة. بينما ساعدا على دفع عجلة النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة، فقد جلبا معهما تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة. تواصل الصين البحث عن توازن دقيق بين الحفاظ على هويتها الاشتراكية وبين مواكبة متطلبات الاقتصاد الرأسمالي العالمي، مما يجعل تجربتها الاقتصادية والاجتماعية تجربة فريدة على الساحة العالمية تستحق الدراسة ومواءمتها ما يتناسب مع اقتصادنا ومجتمعنا في السعودية.