لأن الزملاء الأطباء لا يحبون أن يتدخل أحد في مجال عملهم، أو يفتي في أي مسألة طبية دون استشارتهم -وهذا لا يمنع من تقديم وجهة نظر من طرف غير متخصص- فأحيانا الرأي حين يقدمه شخص من خارج المجال الطبي يمكن الاستئناس به والاستفادة منه وإن كان غير علمي. منسوبو الطب يرضخون عادة لمجموعة من البروتوكولات الطبية ولا يخرجون عنها قيد أنملة، ومن هذا الباب تأتي أهمية وجهة النظر الخارجة عن السياق، وجهة النظر المتحررة من قيود البروتوكول الطبي. وبحكم اهتمامي القديم بعالم اللغويات والبلاغة والأدب، أدرك جيدا تأثير اللغة النفسي في الفرد والمجتمع. لذلك أرغب أن أقدم وجهة نظر في مسألة طبية، وهي (تحليل السكر التراكمي)، ولكن من زاوية لغوية وبلاغية.

من مميزات تحليل السكر التراكمي أن معطياته سهلة خالية من التعقيد يستطيع فهمها الصغار والكبار وغير المتعلمين. 5.7 وأقل فأنت سليم وتقف في المنطقة الآمنة. أكثر من 5.7 حتى 6.4 أنت تقع في المنطقة غير الآمنة وتسمى (مرحلة ما قبل السكري). 6.5 وأكثر أنت في منطقة الخطر وتعامل معاملة مريض سكر. مع أن تحليل سكر الصائم قد يظهر في المستويات الطبيعية بل والمثالية عند جميع مراحل السكر التراكمي التي قد تتجاوز نقطة 6.5. وهنا يتبادر للذهن السؤال التالي: إذا ظهرت عند الشخص نتيجة تحليل سكر الصائم طبيعية، وظهرت نتيجة تحليل السكر التراكمي في منطقة الخطر والإصابة بداء السكري، ولنفترض أن نتيجة تحليل السكر التراكمي كانت 6.6 فهل هذا الشخص مريض سكر بناءً على تحليل السكر التراكمي، أم أنه طبيعي وغير مصاب بناءً على نتيجة تحليل سكر الصائم؟

قد يتساءل أحدنا ويقول، وما علاقة ما تقوله عن تحليل السكر التراكمي بعلوم اللغة والشعر، وما علاقته بأبي الطيب المتنبي وسيبويه والجاحظ، وما تأثير (العبارة) في نفسية الفرد والمجتمع؟ لنفترض جدلا أن شخصا ذهب للمستشفى لعمل فحوصات طبية شاملة، وظهرت نتيجة تحليل السكر التراكمي 5.8 وبناء على بيانات السكر التراكمي القياسية فإن هذا الشخص يقع في المنطقة غير الآمنة (مرحلة ما قبل السكري)، وعندما يعلن الطبيب للمراجع أنه بناء على تحليل السكر التراكمي يعيش مرحلة ما قبل السكري. طبعا هذه العبارة (مرحلة ما قبل السكري) مفزعة ومخيفة ولها أثر نفسي قوي، فهي توحي أن الإنسان في طريقه تجاه المرض، ويعيش أياما معدودة قبل أن يصاب بداء السكري - عفانا الله وإياكم - ويصبح مريض سكر بشكل رسمي.


طبيا هل هناك خوف على شخص ظهرت نتيجة تحليل السكر التراكمي لديه حوالي 5.9 أو 5.8؟ هل هذا الشخص مهدد بالسكري على المدى القصير؟ مفاجأة المريض بأنه يعيش مرحلة ما قبل السكري كفيلة بإقناعه بتناول منظمات السكري التي قد لا يحتاجها، وتؤدي به إلى تكرار الفحوصات الطبية بصورة قلقة ومتكررة دون حاجة. عبارة (ما قبل السكري) قادرة على بث الخوف في نفس المريض وإجباره على الهرب من شبح المرض بأي طريقة كانت. أن تتأرجح بين السلامة والمرض وتقف على حافة العافية وتدخل دوامة الوهم والإيحاء الداخلي بأنك تعيش أيامك الأخيرة مع العافية، وتبدأ في كتابة وصيتك وتقسيم ثروتك على أبنائك، لا يحتاج إلا عبارة بليغة ومنمقة كعبارة (مرحلة ما قبل السكري).

في تحليل السكر التراكمي الذي تتعارض نتائجه مع تحليل سكر الصيام وتحليل السكر العشوائي، فالإنسان لا يمكن أن يعامل على أنه طبيعي ومريض في الوقت نفسه، وبالتالي -من وجهة نظر غير متخصصة وغير طبية وغير علمية- أعتقد أن عبارة (مرحلة ما قبل السكري) غير دقيقة وتلعب على عامل الخوف عند الشخص، فلا مانع من استبدالها بعبارات أكثر رحمة، مراعاة لمشاعر المراجعين.