أعلن أمير الكويت حلَّ مجلس الأمة، وليس هذا القرار هو الأول من نوعه، إذ يرجع أول أمر بحل مجلس الأمة إلى سنة (1976)، إلا أنَّ هذا القرار جاء في وقت حساس، في خطوة أوضح فيها الأمير أنَّها ضرورية لإنقاذ البلاد، وهو ما سبقه توتر وعدم استقرار بعد الأزمات المتتابعة بين الحكومة ومجلس الأمة، مما دفع إلى تعطيل التنمية، وتعطيل القوانين الضرورية، ويعود كل شيء إلى مربع البداية بعد كل أزمة، فقرر الأمير حل المجلس لمدَّة لا تزيد عن أربع سنوات، ومراجعة المسيرة السياسية في البلاد بصورة شاملة، حتى يرى ما ينفع العباد والبلاد.

وقد وصف الأمير في خطابه ما جرى في السنوات السابقة بأنه استغلال لمسمَّى الديموقراطية، وصل إلى مبلغ وصفه له بالسعي لتحطيم الدولة في سلوك وتصرفات على خلاف الحقائق الدستورية، حتى أنَّ بعض النواب وصل بهم التمادي إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير، فضلًا عن عدم نفاذ بعض الأحكام، والفساد الذي أعلن الأمير محاربته بحزم، بما يظهر إلى أي مستوى وصلت إليه خطورة الأوضاع على دولة الكويت نفسها، وإلى أي مدى كان القرار في وقته.

لقد كانت الظواهر التي تستغل الديموقراطية في الكويت ليست ذات أثر محلي فحسب، بل إنَّ بعض المنتفعين من الوضع القائم في السابق، كانوا يصدرون ما هم عليه على أنه نموذج يجب تعميمه على مختلف دول الخليج، حتى يستفيدوا من تآكل الدولة، لصالحهم الضيق، وليمدوا إخوانهم في غيّهم، وقد شاهد الجميع من قبل طارق سويدان، في تسجيل مسرَّب وهو يفاخر بالنفوذ في الدولة وداخل مجلس الأمة، دون أي تحرّج من انتمائه إلى جماعة الإخوان، والتصريح بأنهم كانوا يتخذون بعض القرارات السيادية، دون النظر إلى مصلحة الكويت، بل لمصلحة جماعة الإخوان في مصر، كما كان هناك من يخرج على الإعلام ويقول: ليس في عنقه بيعة لأمير الكويت، في تصرُّف لم يكن ليحدث لولا الحال السابقة التي سعت إلى توجيه الديمقراطية نحو غلاف حامٍ للفساد، والحزبية عابرة الحدود، دون الاحتكام إلى قرارات وطنية.

فعلى الصعيد الجيوسياسي، كانت كلمة الأمير غاية في الأهمية، فليست الدول معزولة عن امتداداتها في التاريخ والجغرافيا والتحديات المشتركة في السياسة، وكانت الأحوال السياسية السابقة تجعل من الحالة السياسية في الكويت تعزز من تهوين البيعة للأمير، وتدعو إلى الانسجام مع دعوات أحزاب خارج الأراضي الوطنية، وتعلن عن أيدلوجيات وسياسات لا تتناغم مع الواقع الكويتي وسط محيطه في الخليج، حتى أنَّه في (2010) أعلن حزب يسمي نفسه (الحركة التقدمية الكويتية) استئناف عمله، رغم أنَّه ذو خلفية شيوعية، في وسط عربي إسلامي خليجي مثل الكويت، كأنَّ مشكلات الكويت ينقصها أن تمتلئ بمصطلحات الثورة، والحرب الطبقية، بين أبناء البلد الواحد.

إنَّ هذه الحالة لم تكن تسعى إلى إعاقة تقدّم الكويت وتعكير صفو انسجامه الداخلي فحسب، بل سعت إلى عزله عن دول الخليج، وجعله نقيضًا عنها، وتحويله بشره إلى بؤرة آمنة للأفكار الثورية، وقد سبق للكويت أن دفعت ثمنًا غاليًا نتيجة تشكّل تلك البؤر في مراحل متعددة من تاريخها السياسي، ولذا فإنَّ قرار أمير الكويت يرجع الأمور إلى نصابها، ويضع الولاء على المحك، بين الذين يلتزمون طاعة الأمير، ويوفون له بالبيعة، ويسعون لحفظ الدولة، والذين يكون لهم موقف يتجردون فيه من انتمائهم لوطنهم، ليقدِّموا عليه مصالحهم الحزبية والأيدلوجية، وقد قال الأمير بأنَّ القانون سيكون على الجميع، ولن يأمن من المساءلة أحد، ومن خالف فللقضاء الفصل في شأنه.

كلمة تاريخية في وقت لم تكن جماعة الإخوان تؤمل سوى في تأجيله، وهي التي تحدَّث منظروها على مرأى ومسمع العالَم بأنَّ الكويت لا تمثل لهم سوى محطة وقود، لتزويد مختلف التيارات والجماعات المتفرّعة عنهم، يأتي القرار في وقت تتناغم فيه السياسة الكويتية مع محيطها الخليجي الذي لم يقف مكتوف الأيدي أمام الأفكار المتطرفة التي سعت إلى جعل الخليج العربي نقطة صراع بين أبنائه، وبث الشقاق بين المجتمع الواحد، ففي وقت مناسب أطلق أمير الكويت حملته الحازمة لتصحيح المسار في بلده الذي أظهر كامل الحرص عليه، ليدعو الجميع له بالسَّداد والتوفيق، فقوَّة الكويت، تزيد من قوَّة لأشقائها.