بات من الطبيعي أن يتلقى بعض أولياء الأمور اتصالات أو رسائل من مدارس أبنائهم تقول «تعال وخذ ولدك ما في طلاب»، وذلك نتيجة لكثرة غيابات الطلاب خلال شهر رمضان المبارك، والتي أرجعها تربويون وتربويات وأولياء أمور إلى سببين رئيسيين، هما: السهر، وكثرة استئذان أولياء أمور الطلاب لأبنائهم خلال اليوم الدراسي، وتحديدًا خلال الحصص الدراسية الأولى من اليوم الدراسي.

ويجمع كثيرون على أن السهر في رمضان بات عادة مترسخة لدى كثيرين نظرًا لكثافة الفعاليات والمناشط، وكذلك كثرة المسلسلات والبرامج في التلفزيون طوال ليالي شهر رمضان.

حسم درجات من المواظبة

أجمع موجهون طلابيون، ووكلاء في مدارس على أن أيام شهر رمضان، تشهد زيادة ملحوظة في استئذانات أولياء أمور الطلاب لأبنائهم في وسط اليوم الدراسي، سواء بالحضور إلى المدرسة، أو بالتواصل هاتفيًا أو الرسائل القصيرة أو الواتساب من خلال هاتف المدرسة، بدلًا من الغياب، لتفادي حسم درجات من المواظبة.

وبينوا أن إدارات المدارس مضطرة لقبول استئذان ولي أمر الطالب، ومغادرة الطالب، حتى بات ذلك مخرجًا مناسبًا لكثير من الطالب في الغياب بلا حسم.

الشللية داخل الصف

قال الخبير في الشؤون التعليمية عبدالله السلطان «تتغير النظرة السائدة عن السهر من كونه من المظاهر والعادات السلبية في غير شهر رمضان إلى أمر عادي ومقبول خلال الشهر، وهذه النظرة ليست مقصورة على الطلاب فقط، بل تكاد تكون ثقافة مجتمع، وهذا ينعكس بدوره على الأسرة التي لا تمانع من سهر أبنائها خلال رمضان، وبالتالي سينعكس ذلك حتما على عدم انتظامهم في الذهاب للمدرسة لأنهم لم يأخذوا كفايتهم من النوم».

وأضاف «من الأسباب التي تؤدي لغياب الطلاب في رمضان أيضًا، (الشللية) داخل الصف، فقد يتفق بعض الطلاب على الغياب، وبالتالي يتأثر بهم بقية الزملاء، وتصبح المسألة ككرة الثلج تكبر مع الوقت، وقد تصل إلى صفوف أخرى».

التعديلات الجديدة

وضع السلطان، عدة حلول للحد من ظاهرة غياب الطلاب في رمضان، أهمها قيام الأسرة بدورها في متابعة الأبناء وحثهم على النوم المبكر والانتظام وعدم الغياب والتعاون مع المدرسة في ذلك، وتنظيم برامج توعية هدفها تثقيف الطلاب وتوعيتهم بأن شهر رمضان شهر للعبادة والعمل، وليس شهرًا للراحة والكسل، وذلك من أجل تغيير النظرة السائدة عن شهر رمضان، ويمكن أن يكون ذلك عن طريق المدارس والمساجد والمراكز الثقافية، كما يمكن أن تقوم المدرسة بتحفيز الطلاب على الحضور من خلال تقديم المكافآت التشجيعية سواء كانت مادية أو معنوية، وأيضًا حث المعلمين على تقديم الدروس بأسلوب مشوق وجاذب كاستخدام المسابقات والألعاب التعليمية، وينبغي على المدرسة توضيح التعديلات الجديدة في قواعد السلوك والمواظبة للطلاب، والتي من أهمها رفع الحسم لدرجة واحدة عند غياب يوم دراسي وعدم منح الطالب أو الطالبة درجة كاملة في المشاركة والتطبيقات الصفية عند غيابه مع منع إعادة الاختبار للطالب أو الطالبة إذا كان الغياب بلا عذر.

نظام حماية الطفل

شدد السلطان على هناك بعض أولياء الأمور لا يحرصون على متابعة انضباط أبنائهم خلال شهر رمضان، لذا ينبغي على المدرسة التواصل معهم وتوضيح أهمية انضباط الطلاب، وبأن الغياب له تأثير على فهم الطالب للدروس وقد يؤدي لتأخر الطالب وإخفاقه.

وتابع «مسؤولية ولي الأمر أصبحت أكبر من السابق حسب التحديث الجديد لقواعد السلوك والمواظبة، حيث يلزم ولي الأمر بتوقيع عقد الالتزام المدرسي من بداية العام الدراسي والذي يتعهد فيه بالتزام الابن بقواعد السلوك والمواظبة».

وأكمل «أعتقد أن المدارس تحاول بشتى الطرق معالجة ظاهرة الغياب بشكل ودي بينها وبين ولي الأمر، ولا تسعى لتطبيق ما ورد في اللائحة الجديدة لقواعد السلوك والمواظبة، لأنها تتضمن إجراءات صارمة، قد تصل لاستدعاء ولي الأمر لإدارة التعليم لتوقيعه على تعهد بانتظام الطالب أو نقل الطالب إلى مدرسة أخرى في حال كان غيابه 15 يومًا، أما في حال وصول الغياب إلى 20 يوم فقد تقوم إدارة التعليم بتحويل الأمر لنظام حماية الطفل».

حضور غير فاعل

أبان حسين العبود «معلم، وولي أمر»، أن الطالب لا يحصل على توعية بطبيعة علاقته بالزمن «الرمضاني»، كما لا يتلقى القدر الكافي من التحفيز للقيام بالأنشطة التعليمية في نهار شهر رمضان داخل البيئة المدرسية، لهذا ما كان ينبغي فصل البعد الروحي والإنساني لشهر رمضان عن البعد التعليمي والمعرفي، فالدراسة ليست هربًا من المتعة المعرفية في نهارات الشهر، وليست قسرًا على الحضور غير الفاعل في المدرسة.

وقال «حين نوثق العلاقة ما بين الجانبين، سنرى الطالب يمارس نشاطه المدرسي حضورًا وتناغمًا كما لو كان الزمن ليلاً، وهنا يأتي دور الأنشطة الرمضانية، واصطحابها من المجال العام إلى الأفق التواصلي في المدرسة، كالفعالية الخيرية، والمنشط الابتكاري، والحيوية الاجتماعية، وكل ذلك سيغير كيفية تلقي الطلاب لدور المدرسة في نهار شهر رمضان ولياليه».

وأضاف «المدرسة حاضنة اجتماعية لمجمع من الفاعلين، وإعادة فتح نوافذها وجدرانها باتجاه حيوية المجتمع ومؤسساته سينشئ قاعدة واسعة من التفاعلات بين الطالب ومحيطه، وبالمحصلة إن الديناميكية الرمضانية منطلق مهم لتكون المدرسة أفقًا حقيقيًا لاستقبال هذا الحراك العام سواءً كان الطالب قد نذر نفسه للحضور أو استبطن نوايا الغياب وأضمرها، لأننا قد نعاني أحيانًا من غياب الحاضر كونه طالبًا حاضرًا بجسد يخلو من ديناميكية وعطائه، ليصبح الغياب المدرسي غيابين».