حذر مهتمون بالبيئة من مغبة قتل الأفاعي دون معرفة أو دراية بنوعها، معتبرين أن أفعى البيوت والمزارع مظلومة أمام الاتهامات والادعاءات الجسيمة بضررها، وهي ادعاءات واتهامات تتسبب في قتلها دون ذنب، على الرغم من أنها تقدم خدمات بيئية مهمة لا يكاد يلتفت إليها أحد.

وكرست ذاكرة الثقافة العربية كثيرًا من مفاهيم الخوف والرعب من الأفاعي، وربطتها إلى حد كبير بالشر المستطير، ولعل هذه الصفات عممت على الأفاعي كلها، مع أن بعضها غير مؤذ، وكأن الصفات الإيجابية التي تتحلى بها تتضاءل بشدة مقابل مساحة ضئيلة جدًا من الصفات الإيجابية.

وغلبت على الأفاعي والثعابين في الأمثال العربية كثير من الصفات السلبية، التي جعلتها رمزًا للمكر والخبث والشر، والظلم، فقالت العرب «أظلم من أفعى»، و«أعدى من الحية»، وهذا من العدوان، وهو الظلم، وقالت «أفحش من فالية الأفاعي»، كما قالت في شره الثعبان «أشره من حية»، وألصقت بالثعبان صفة الكذب، فقالت «أكذب من حية»، كما ألصقت بها صفة الخبث والمكر «لا تلد الحية إلا حية».

وجعلت العرب من رؤية الأفاعي سوء طالع وفأل شر، وسوء عاقبة «الحاوي لا ينجو من الحيات».

ملساء مرعبة

ارتبطت الأفعى أو الحية بصور مخيفة عن الموت والسم، والالتفاف على الفريسة، حتى القضاء عليها؛ ولعل هذا ما استثمره المنتجون والمخرجون في بعض سيناريوهات أفلام الرعب، التي كرست هذه الصورة النمطية عن الأفاعي، ورسخت في الأذهان صورًا سلبية ومخيفة للأفعى بتعميم فكرة السمية والقتل، فيما لا يعرف كثيرون أن هناك عددًا من الأفاعي الودودة التي تمثل عنصرًا بيئيًا مهمًا وتؤدي أدوارًا حيوية في الطبيعة، حتى صار الفتك بها من الجور على الحياة البيئية الفطرية، التي دونها يختل التوازن، وتنعدم أبرز المكونات الحيوية.

المتهمة المظلومة

على محمل «ولا تزر وازرةً وزر أخرى» حذر البيئيون من قتل أفاعي المناطق السكنية والزراعية الودودة وغير السامة، وتحميلها ذنب أفاعي الصحارى والبراري السامة والخطرة.

وجاء هذا التنبيه البيئي بعد تداول مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت فيه أفعى مقتولة على يد مواطن، وجدها في كورنيش القطيف، محذرًا مرتادي الكورنيش من هذه الكائنات، على اعتبار أنها تمثل عامل خطر يهدد سلامة المواطنين وأبنائهم.

ولم يكن هذا هو الفيديو الوحيد الذي تناول مسألة الأفاعي، بل سبقته فيديوهات تحذيرية مشابهة يتم تداولها بين فترة وأخرى، خصوصًا في فصل الصيف.

لا ضرر ولا ضرار

شدد الخبير البيئي، محمد الزاير، في حديثه لـ«الوطن» على أن أفاعي البيوت والمزارع في محافظة القطيف، وحتى عموم المنطقة الشرقية، لا تمثل ضررًا على الإطلاق، بل هي أكثر منفعة للبيئة بوجودها في المزارع، وبين صخور الكورنيش، والأماكن العامة، حيث تقتات على القوارض الصغيرة والحشرات المؤذية.

وقال الزاير «إن الأفاعي مكون من مكونات البيئة الطبيعية، على ذلك فهي ذات دور فعّال في البيئة، فضلاً عن كونها تمثل توازنًا في الطبيعة، بل إن في غيابها فارقًا ومشاكل لمكونات بيئية أخرى».

توازن بيئي

أوضح الزاير، ومن باب الاطمئنان، أن المنطقة الشرقية بشكل عام خالية تمامًا من الأفاعي الخطرة السامة، وأن الأنواع الموجودة هي أفاعٍ ذات نسبة «سمية» ضعيفة جدًا، وتعتمد في غذائها على الحشرات والقوارض فقط.

وشدد على أن الأفاعي تحافظ على التوازن في الحياة الفطرية، كما أنها تسيطر على كمية القوارض والحشرات.

وللتوضيح أبان أن «الأفاعي في مراحلها العمرية الصغيرة تتغذى على الحشرات والديدان، وحين تنمو أكثر تتغذى على صغار القوارض، وهو الجانب الأهم كونها تنمو على ما تقتات به من القوارض المضرة للبيئة الزراعية، كما هو حال بيئة القطيف والأحساء، مع ما تشهده هذه البيئة من انتشار للقوارض والفئران.

أنواع وأصناف

أما عن أنواع الأفاعي المعروفة والموجودة في المنطقة الشرقية تحديدًا، فقد صنفها إلى 4 أنواع، لافتًا أن من بينها نوع منقرض، ولم يتبق سوى 3 أنواع من الأفاعي، بل وأحدها دخيل على المنطقة.

وذكر أن النوع المنقرض هو الثعبان الأرقم، وهو من الأفاعي غير السامة، ذي جسم ضخم ومتطاول يقارب طوله مترين و80 سم، يغلب عليه اللون الرملي، وعرف عنه سكنه على أطراف المزارع القريبة من الجهات الصحراوية، ومع أنه معروف بطبيعته الشرسة، حيث إنه من النوع الهجومي، الذي يهجم على أي كائن متحرك، إلا أنه غير سام، وخلال 20 سنة لم يجد الباحثون والمهتمون في البيئة له أثرًا في المنطقة الشرقية إلا مرة واحدة نادرة، على الرغم من أنه موجود في مناطق مختلفة من المملكة ودول الخليج.

كاذبة وخجولة

أكمل الزاير، أن النوع الثاني وهو الأكثر شهرة، الكوبرا الشرقية الكاذبة، ويسمى كذلك بـ«أبو العيون»، ونشهده بكثرة في المزارع والواجهات البحرية في القطيف، وسمي بذلك لوجود نقطة سوداء خلف العين، فيتراءى للشخص وجود أكثر من عينين.

وعنه قال: كما هو حال نسبة السموم في الثعبان الأرقم فإن أبو العيون كذلك يمتاز بضعف السمية، وهو ينتشر في جميع مناطق الخليج والمملكة عدا المنطقتين الغربية والجنوبية، وتتميز هذه الثعابين بأن لديها بقعة سوداء تمتد من الخد إلى زاوية الفك، ولونها بشكل عام هو لون شبيه بلون القش، وتكون مبقعة على طول الجسم، ويصل طولها إلى قرابة المترين، وهي ذات أنياب خلفية بارزة، لكن ذلك لا يعني أنها تشكل خطرًا على الإنسان، ولا على أي حيوانات أخرى، فبالكاد سمها يقتل قارضًا صغيرًا، أو عصفورًا، وهذا النوع -بالإضافة للثعبان الأرقم المنقرض- له دور كبير بيئيًا في مكافحة الجرذان في المناطق الزراعية.

أبو السيور

أضاف الزاير، أن النوع الثالث هو النوع الخجول ثعبان أبو السيور «الزاروق»، وهو يعيش في مناطق الأحراش، وتصعب مشاهدته بسهوله، ضعيف السم ذا أنياب خلفية ولا يسبب أي مشاكل أو خطر لأي حيوانات، حتى القوارض والجرذان، لكونه من الأنواع الضعيفة جدًا، ويصل طوله لقرابة المتر و20 سم.

الدخيلة الخطرة

أردف الزاير، يتبقى لدينا النوع الدخيل على محافظة القطيف، وهو نوع قادم من المناطق الصحراوية، وتسمى الحية المقرنة «أم جنيب»، ولأنه لا يستطيع تحمل أجواء المنطقة الشرقية الرطبة، نجده حاضرًا في المناطق الصحراوية، والكثبان الرملية القريبة من القطيف.

مبينًا أنه دخل إلى القطيف عن طريق نقل الرمل من البراري، أو المناطق الصحراوية، فيما لا يزال حضوره قليل جدًا، ومحدودًا.

ولفت الزاير إلى أن المصطلح العلمي الصحيح لتسميته هو «الحية» وليس ثعبانًا، وذلك لكونه سامًا، ورأسه مثلث، وهذا يعني أن الموجود في القطيف نوعان فقط من الأفاعي ضعيفة السم، التي لا تمثل أي ضرر للإنسان، ولا حتى الحيوانات، ما عدا القوارض والجرذان والحشرات، وهنا تكمن منفعتها.

التمدن والتوسعة

بين الزاير، أن سبب انتشار الأفاعي وظهورها في الأماكن العامة هي التوسعة العمرانية، إذ أن ظاهرة استثمار المزارع «بيوت الأفاعي» وقتل الأفاعي بهدف التوسعة العمرانية والتمدن تسببت بمشاكل كثيرة للمزارعين الذين يعانون من انتشار القوارض والفئران، وهو ما كانت الأفاعي تقوم بالتخلص منه.

وأشار إلى أن الضغط على هذه الكائنات الزاحفة في بيئتها هدد حياة الأفاعي التي تختبيء لفترة، ولكن سرعان ما تظهر للعيان، فقد أدى الاحتلال البشري لبيئة المزارع والأحراش، حيث مأوى الأفاعي، إلى جعلها تعيد جدولة نفسها من أجل الحفاظ على حياتها، فتلجأ إلى الأماكن التي يتوافر فيها الغذاء، في إشارة إلى أن الأفعى تحتاج إلى تناول 4 وجبات شهرية على الأقل، تتكون الواحدة منها من 7 إلى 8 من الفئران الصغيرة المتوافرة في الأحراش، وحتى بين صخور الكورنيش، فإذا ما تم الضغط على منطقة المزارع بالعمران توجهت الأفاعي للكورنيش والمرافق العامة أو حتى المنازل القريبة من المزارع.

وكشف بدوره أنه لم يتم رصد أي نوع سام من الأفاعي في القطيف والأحساء ومدن الدمام، الخبر، وحتى الظهران، ولكنه استدرك مع ذلك علينا توخي الحذر في المناطق البرية، مع وجود حيّة أم جنيب، وإن كان حضورها نادرًا.

سامة وغير سامة

لبيان الفرق بين الأفعى غير السامة والحية السامة، قال الزاير: من الناحية الشكلية؛ الأفعى قوامها ممشوق طويل جدًا، ورأسها نفس مستوى الرقبة والجسم، أما في الحيات السامة فالرأس مثلث الشكل ولها رقبة ولها جسم، ويمتاز الذيل بكونه مندمجًا مع الجسم، أما الحيات فذيلها قصير، وهنالك تمايز بينه وبين الجسم.

ووجه، لا بد من معرفة الفارق بين الحيّة والأفعى ليسهل التعامل معهما، محذرًا من قتل الأفعى والاستعانة بخبراء واختصاصيين لحل مشكلة وجودها في المنزل إذا ما تسببت بإثارة القلق.

مسح ميداني

من جانب آخر، تواصلت «الوطن» مع بلدية القطيف حول الإجراءات المتبعة لحل مشكلة الثعبان الذي ظهر في المقطع المتداول، وكشف مدير العلاقات العامة في بلدية القطيف، عبدالله آل ضيف، حقيقة العثور على ثعبان في كورنيش المحيسنيات بجزيرة دارين، مؤكدًا أن جميع مرافق ومداخل الكورنيش خالية منها تمامًا.

وأكد أن البلدية، وبخصوص مقطع الفيديو المتداول، المتضمن وجود ثعبان في كورنيش المحيسنيات، أرسلت فريقًا مختصًا للوقوف على الطبيعة، وتم عمل مسح ميداني شامل لكامل الواجهة البحرية، ولم يتم العثور على أي ثعابين أخرى، كما تم تكثيف أعمال الصحة العامة في الموقع المذكور.

ودعت البلدية رواد الواجهات البحرية والمرافق العامة إلى الاستمتاع بقضاء أوقاتهم في جميع المرافق السياحية، والإبلاغ عن الملاحظات والمخالفات فيما يخص الخدمات البلدية، عبر مركز البلاغات 940.

أنواع وأصناف الأفاعي الموجودة في المنطقة الشرقية

1ـ الثعبان الأرقم

- من الأفاعي غير السامة.

- ذو جسم ضخم ومتطاول.

- يقارب طوله مترين و80 سم.

- يغلب عليه اللون الرملي.

- معروف بطبيعته الشرسة.

- يهجم على أي كائن متحرك.

2ـ الكوبرا الشرقية الكاذبة«أبو العيون»

يتواجد بكثرة في المزارع والواجهات البحرية في القطيف

- لديه نقطة سوداء خلف العين.

- يمتاز بضعف السمية.

- لونه شبيه بلون القش.

- يكون مبقعًا على طول الجسم.

- يصل طوله إلى قرابة المترين.

- ذو أنياب خلفية بارزة.

- لا يشكل خطرًا على الإنسان ولا على أي حيوانات أخرى.

- له دور بيئي كبير في مكافحة الجرذان في المناطق الزراعية.

3ـ أبو السيور «الزاروق»

ـ يعيش في مناطق الأحراش.

ـ ضعيف السم.

ـ ذو أنياب خلفية.

ـ لا يسبب أي مشاكل أو خطر لأي حيوانات.

ـ يصل طوله لقرابة المتر و20 سم.

4ـ الحيّة المقرنة «أم جنيب»

ـ دخيلة على محافظة القطيف.

ـ قادمة من المناطق الصحراوية.