على الرغم من التعليمات المشددة والمتكررة التي توجهها وزارة الصحة بمنع دخول المأكولات والمشروبات إلى غرف المرضى المنومين في المستشفيات والمجمعات الصحية، فإن المشاهدات المتكررة تؤكد أن تلك الغرف وأجنحة المنومين تعج بكثير من الوجبات، الدسمة منها والخفيفة، بالإضافة إلى مختلف أنواع المشروبات الساخنة مثل القهوة والشاي والنعناع، والباردة بأنواعها، والتمور بجميع أصنافها، حتى ليخال للمرء أنه أمام بوفيهات مفتوحة يقدم فيها ما لذ وطاب.

وما إن تبدأ مواعيد زيارة المرضى حتى يدهش المتابع رؤية تلك السلال المليئة بشتى أصناف المأكولات يحملها رجال ونساء، ويدخلون بها أجنحة المنومين، ونادرا ما يستجيبون لملاحظات الحراسات الأمنية قرب المداخل الرئيسية للمستشفيات حولها، بل قليلا ما يتدخل أفراد تلك الحراسات لتطبيق منع دخولها التزاما بتوجيهات الوزارة، حرصا على صحة المرضى، وللحد من تسببها في مضاعفات قد تؤذي المرضى الذين يتوجب التزامهم بوجبات خاصة تنسق فيما بين الأطباء وقسم التغذية.

ويقدم كثيرون على هذه العادة إما جهلا أو لا مبالاة، على الرغم من خطورتها والانتكاسات التي يمكن أن تسببها.

إرهاق للمريض

يقول الدكتور سعيد السريعي، استشاري جراحة السمنة المفرطة والمناظير والجراحة العامة، إن هذه الظاهرة تُلاحظ بكثرة. ويضيف: «للأسف نشاهد إصرارا من الزوار على ارتكاب مخالفة إحضار عدد من المأكولات والأطعمة والمشروبات التي يكون بعضها من المطاعم الخارجية، ولا تكون معدة أو مهيأة بطريقة مناسبة، وقد تفتقد إلى النظافة، وتتسبب للمريض في عدد من الأمراض مثل الالتهابات والنزلات المعوية التي هو في غنى عنها».

ويتابع: «كما يحضر البعض للمرضى بعض الأطعمة التي يُمنع عليه تناولها، ويكون لذلك أثره السلبي على المريض وصحته. كما شاهدت عددا من الزوار يحضر الحلويات والتمر، ولا يراعون إن كان المريض يعاني مرض السكري، وأنه قد يضعف أمامها، فيشتهيها ويتناولها، فتسبب له مضاعفات صحية. كما أن عددا من الزوار أو المرافقين يحضرون أنواعا عدة من الأطعمة، ويأكلونها أمام المريض الذي قد يكون ممنوعا من أكلها، فيتسببون له في إرهاق نفسي».

ويكمل السريعي: «لا يراعي الزوار كذلك العدد المقبول من الزائرين في غرفة المريض، فكثرة الزوار قد تنقل لهم العدوى، سواء من المريض أو من بعضهم بعضا. كما يمكن أن تنقل العدوى من الزائر للمريض الذي قد تكون مناعته ضعيفة».

«مُر» في الغرف

يعرّج الدكتور السريعي إلى مسألة أخرى تثير الانتقاد برأيه، حيث يقول: «لاحظت عددا من المخالفات على الأخص لدينا في نجران، حيث يحضر البعض معه «المُر»، وهي مادة تشبه اللبان في الشكل، ظنا منه أن يساعد في علاج المريض».

ويشيع البعض أن «المُر» يستخدم في إخراج الصديد الداخلي، ولأورام الأسنان وغيرها.

ويضيف: «المُر فيه بعض الفوائد، ولكن ينبغي تقنين استخدامه، وبطريقة علمية، ناهيك عن أن عددا من أنواعه بعد أن قمنا بفحصها وتحليلها مخبريا وجدناها تحتوي على عدد من أنواع البكتيريا، بل إن بعض التقارير عرف أن مصدرها من الصرف الصحي، لكثرة البكتيريا والميكروبات الحية الضارة فيها، لذا يمنع استخدامها بالشكل المباشر أو بالطرق الشعبية في علاج الجروح للمرضى، والغريب أن من يأتي بها يتجاهل أن المريض يتلقى العناية اللازمة من الأطباء».

ثقافة مجتمعية

يجزم طبيب الجراحة الدكتور صالح حسين الفقير أن إشكاليات زيارة المريض تكمن في الثقافة المجتمعية التي تنتج سلبيات عدة مصاحبة لها، فمثلا تشدد المستشفيات الحكومية على منع حضور الأطفال للزيارة، لكن كثيرين يضربون عرض الحائط بهذا المنع غير مبالين بالمحاذير التي فرضت المنع على أساس أن الله خير الحافظين، وأن لديهم ثقة في تربية أبنائهم الذين لن يحدثوا أي ضوضاء تزعج المريض.

ويقول: «خلال وقت الزيارة تبدأ الولائم بالدخول إلى غرف المرضى، ترافقها أطباق الحلويات العربية دون مراعاة للحالة الصحية للمريض الذي قد يكون مريض «كوليسترول» أو مريض قلب أو أوعية دموية، وتناوله هذه الأطعمة الدسمة قد تتسبب في متاعب إضافية له، خاصةً إذا تطور الأمر ووصل إلى حد أن يقترح أحد الزائرين على المريض تناول بعض الأعشاب التى فيها الشفاء التام من وجهة نظره».

ويضيف: «أركز وأشدد على نقطة الأطعمة، خصوصا التي تحتوي على السكريات غير المناسبة لمرضى السكر (مع العلم أن الطبيب يحرص على جلب طعام مخصص لمرضى السكر، على سبيل المثال مرضى القدم السكري، إذا كان السكر غير منتظم، لأنه مع الأطعمة غير المناسبة قد يواجه المريض ضررا وصعوبة في التئام الجروح)، وجلب المُر من قِبل المراجعين أيضا، ونصحهم المرضى بوضعه على الجروح، وهذا سلوك غير مناسب، مما قد يصيب المريض بالتهاب في مكان الجروح».

ويلفت د. صالح إلى أن أبرز المخالفات التى تحدث من الزوار تكون في المستشفيات الخاصة على أساس أن المريض يعالج بماله، ويعتقدون أنه ليس من حق أحد محاسبة الزائرين له أو محاسبته، مبينا أن المستشفيات الحكومية ليست بعيدة بدورها عن هذه الصور السلبية.

مخالفة بداعي الكرم

من جهتها، قالت أخصائية التغذية العلاجية في مستشفى الملك خالد، شذا حسن داحش: «للأسف هذه العادات التي يمارسها بعض زوار المرضى، المتمثلة في إحضار مأكولات مضرة وشاي وقهوة للمريض، وإجباره على أكلها من باب أنها مفيدة وتُعجل بشفائه، ضارة وتمارس نتيجة قلة المعرفة والعلم، وفي بعض الأحيان تتسبب في حصول مضاعفات للمريض، وتكون سببا في زيادة حدة مرضه».

وتابعت: «بعضهم قد تكون لديه قلة وعي عن الغذاء المناسب لكل مرض، وجهل بالآثار السلبية لتناول طعام غير مناسب، لكنهم يأتون معهم بالمأكولات ويلحون على المريض لتناولها من باب الكرم، أو يشعرون بأن إحضارها واجب عليهم تجاه المريض، لذلك أتمنى أن يلتزموا بآداب وتعليمات زيارة المريض، وتركه على خطته العلاجية، للحفاظ على صحته، وتفادي المضاعفات التي تسببها له تلك الأطعمة والمشروبات».

لمسات إنسانية

يؤكد المدير التنفيذي لجمعية «تراحم»، مهدي محمد الكستبان، أن الشريعة الإسلامية حفظت ودعت إلى التواد والتراحم والتعاطف بين المسلمين في لمسة إنسانية تحث على تفقد أحوال الآخرين، والسعي لنيل الثواب بتفقد المريض، وزيارته في المستشفى أو المنزل. ويقول: «وضعت الشريعة الإسلامية آدابا، منها أن المقصد من زيارة المريض هو النية الصادقة لكسب الثواب من عند الله عز وجل، وإدخال السرور عليه، والدعاء له. لهذا، جاء النهي عن إدخال الحزن والغم عن المريض أو التشويش في حال استرخائه ومرضه، ونُهي عن البقاء عنده مدة طويلة حتى لا يتضجر أو من يرافقه من أهله».

ويبيّن أنه من المهم إدخال السرور على المريض بالكلمة الطيبة، ورفع معنوياته، واستشارة الطبيب فيما يناسبه من مأكولات ومشروبات، والتقيد بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كأن يضع الزائر يده على موضع الألم، ويدعو «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»، ولا يمكث طويلًا عند المريض.

اعتقاد بملكية المستشفى

يوضح مسؤول علاقات مرضى في «الصحة» أن التوعية بآداب الزيارة تبدأ من خلال المنشأة الصحية مثل المستشفيات، وذلك من خلال النشرات التى توزع على الزائرين والمراجعين، مضيفا أن المشكلة الحقيقية أن بعض المراجعين والمرضى يعتقدون أن المستشفيات الحكومية ملك خاص بهم، وأن كل شيء مسموح به خلال زيارتهم لها، فيأتون للزيارة وقتما يريدون متعللين بأنهم أتوا من منطقة بعيدة، أو أن الطرقات المزدحمة كانت السبب في تأخرهم.

ويشير إلى أن بعض الزوار يُحضرون ما شاءوا من مأكولات وحلويات من باب تسلية المريض وإدخال البهجة على قلبه، متناسين أن أوقات الطعام ونوعيتها محددة من قِبل الأطباء المشرفين على حالته.

ويوضح المسؤول أن بعض الزوار لا يتقبلون منع رجال أمن المستشفى لهم من إدخال الأطعمة والمشروبات معهم، حتى أن بعضهم يتلفظ على رجل أمن المنشأة الصحية بعبارات سلبية، وأحيانا يصل الأمر إلى التعارك معه بالأيدي.

ويشدد على أهمية احترام الأنظمة والقوانين للمستشفيات، لأنها أنظمة وقوانين وضعت لتحقيق مصلحة المريض الذي يجب أن يحظى بالرعاية والاهتمام.

طرق التهريب

يرى المعلم إبراهيم يحيي عبدالقادر أن ثمة عادات اجتماعية تترك أثرها السلبي بشكل واضح على تصرفاتنا. وقال: «للأسف نحن لا نستطيع الاجتماع إلا بحضور الأكل، ولعل زيارة المريض هي شكل من أشكال الاجتماعات، حيث يضطر البعض إلى إحضار الطعام معه للمستشفى حتى لا يقال عنه إنه بخيل، ولم يقم بواجبه تجاه قريبه أو صديقه، وقد يعمل البعض على تهريب الأكل داخل ثلاجات القهوة والشاي أو بين الأغراض، ليضمن وصوله إلى غرفة المريض».

وأكد أن الضوابط متوافرة، لكن اختراقها أكثر وبطرق كثيرة. وأضاف: «زيارة المريض يجب أن تكون من أجل إشعاره بأننا بجانبه وحوله ومعه، وهو في أمس الحاجة للدعاء والراحة والهدوء، وهذا ما يجب أن نحرص عليه كزوار».

مخالفة التعليمات

أعلنت وزارة الصحة، في تعميم، أنه لا يسمح بدخول الأطعمة أو المشروبات خلاف ما يتم إعداده وتقديمه داخل المستشفى مع السماح بدخول عبوات الماء الصحية والشاي والقهوة فقط، وإشعار المريض بورقة بهذا الخصوص عند إدخاله التنويم، وكذلك المرافق، للعلم والتقيد بذلك.

وجاء تحرك «الصحة» عقب ما تمت ملاحظته من قِبل المختصين في الإدارة العامة للتغذية خلال الجولات الميدانية على المستشفيات وأقسام المرضى المنومين من دخول أطعمة ومشروبات من قِبل الزوار أو المرافقين أو عن طريق طلب الوجبات من الخارج، وهو ما يعد مخالفا للتعليمات. وأوضحت «الصحة» أن عقود التغذية تتضمن تقديم وجبات غذائية صحية ومشروبات تتناسب مع حالة المريض، وكذلك المرافق.