فيما يرى كثيرون في الموسم الرمضاني فرصة مواتبة للبذل والعطاء والتصدق، يراه آخرون فرصة للتحايل والاستغلال والعبث بعواطف الناس التي تحركها عناوين مثل «صدقة يامحسنين»، أو «تبرع ولك الأجر»، لكن اللافت في الأمر أن التحايل والاستغلال تجاوزا حدود الأفراد ووصلا إلى مؤسسات خيرية، أساس عملها هو الخدمة المجتمعية، ولكن ضعف الوازع الديني لدى بعض موظفيها أو إدارتها حولها إلى منصات للفساد على حساب الأسخياء، وهذا ما كشف عنه المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، حيث نشر مؤخراً ما يؤكد وجود تلاعب داخل مؤسسات وجمعيات خيرية وأهلية.

فساد وتحقيق

منذ بداية العام الجاري أعلن المركز عن إصداره عدة قرارات حازمة بحق بعض المؤسسات الأهلية والخيرية التي تبين تلاعبها وسوء إدارتها للعمل الاجتماعي.

وحسب بيان صادر من المركز، فقد تمت إحالة 4 جمعيات أهلية للتحقيق في النيابة العامة، وتم حل جمعيتين والبدء في تصفيتهما، وصدر قرارا عزل مجالس إدارة، وقراران آخران لإعادة تشكيل مجالس إدارة مؤقتة، فيما تم توجيه 11 إنذاراً بحق جمعيات أهلية أخرى في مختلف مناطق المملكة.

خيانة الثقة

قبيل إعلان المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، كانت النيابة العامة أعلنت سابقا عن التحقيق في قضية تتعلق بخيانة 4 مواطنين للأمانة الموكلة إليهم في إدارة إحدى الجمعيات الخيرية، والتصرف بسوء نية متجاوزين الثقة الممنوحة لهم، وذلك من خلال صرف إعانات للعاملين في الجمعية وغيرهم دون وجه حق، وصرف مستحقات مالية تتجاوز المليون ريال دون مراعاة للأنظمة.

وتنفيذاً للإجراء الصادر في مثل هذه الحالات فقد تم إيقاف المتهمين، وإحالتهم للمحكمة المختصة؛ للمطالبة بالعقوبات المقررة، طبقًا لنظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.

يد من حديد

جاءت جملة هذه القرارات التي تصب في إطار مكافحة الفساد لتضرب بيد من حديد على المتلاعبين بمصالح المواطنين، والتلاعب بالحقوق أو الإفساد في المؤسسات التي يفترض أن يكون عملها لخدمة المجتمع دون استغلال لموارد دخل المحتاجين والمستفيدين منها.

بدورها، أكدت النيابة العامة على الحماية الجزائية للمنظمات غير الربحية ومواردها، وأن المساس بها أو استغلالها يُعَد جريمة موجِبة للمساءلة الجزائية المشددة، فلم تعد «صدقة يا محسنين» مجدية الآن مع وجود التنظيمات الجديدة التي استحدثها المركز الوطني لبناء ثقة المتبرعين و⁧‫حماية وتمكين‬⁩ القطاع غير الربحي، فضلاً عن المتابعة الإشرافية المستمرة وإصدار الموافقات اللازمة لكل حملات التبرع، واستقبال الأموال وأوجه صرفها، بما يحقق المستهدف، وهو تنظيم التبرعات وحماية ما يُقدمه المتبرعين.

تبرع بأمان

من بين التنظيمات التي أقرت لبناء الثقة استخدام رمز الاستجابة السريع في إعلان جمع التبرعات الخاص بمنظمات القطاع، وإطلاق خدمة تبرع بأمان، والتكامل مع المنظمات غير الربحية عبر منصة إحسان، كما تم الإعلان أخيراً عن إتاحة المجال لاستخدام نقاط البيع المتنقلة، بهدف تقديم حلول تنموية متكاملة تُسهل تجربة المُتبرع على أن يتم كل ذلك بموافقة ومتابعة المركز مباشرة، وجاء ذلك بناء على الفقرة الثانية من المادة 67 التي نصت بأنه لا يحق للجمعية جمع التبرعات أو استقبالها إلا بعد موافقة المركز.

كما حدّ المركز من عدد المفوضين للتعامل مع الحسابات البنكية في داخل الجمعية بحد اثنين فقط من أعضاء مجلس إدارته أو من شاغلي الوظائف القيادية في الجمعية، على أن يكونا سعوديي الجنسية ويأتي ذلك بعد موافقة المركز أيضاً، وهو ما نصت عليه الفقرة (ب_4) من المادة 70 في اللائحة التنفيذية لنظام الجمعيات الأهلية.

وحول كيفية تعيين مخولين للتعامل مع الحسابات البنكية أوضح المركز الخطوات، حيث يتم إضافة الموظفين المطلوب تفويضهم لإدارة الحسابات البنكية للكيان ذي المناصب القيادية بشرط أن يكون سعودي الجنسية ثم يتم تقديم الطلب عبر الخدمات الإلكترونية «خدمة تفويض إدارة الحسابات البنكية»، واختيار أسماء الأشخاص القياديين الذين تمت الموافقة عليهم من خلال خدمة «تعيين القيادات التنفيذية» وإرفاق محضر مجلس الإدارة المتضمن الموافقة على التفويض وذكر اسم ومنصب الموظف القيادي لتفويضه لإدارة الحسابات البنكية، وخطاب تشكيل الأعضاء (ساري) والمعتمد والصادر من المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.

وأسهمت اﻟﻘﻮاﻋﺪ واﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻹدارة اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻷﻫﻠﻴﺔ التي فرضها المركز لضمان الالتزام ﺑﺄﻓﻀﻞ ﻣﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺤﻮﻛﻤﺔ، وﻣا ﻳﻜﻔﻞ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺣﻘﻮق ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻃﺮاف في الحد من أي عملية فساد مالي أو إداري داخل الجمعية.