لم يجد فرع جماعة الإخوان المسلمين في الكويت بدًا من تخفيف وتلطيف خطابه الديني مستهدفًا بذلك تحقيق معادلة الاستمرار في مواجهة الإقصاء.

وتسلط ورقة حملت عنوان «إخوان الكويت: من الدّين إلى السّياسة!» ترجمها الدكتور حمد العيسى وألفتها الدكتورة كورتني فرير، وهي باحثة ما بعد دكتوراه، في جامعة إيموري الأمريكية، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد، الضوء على رد فعل حركات الإخوان عندما تقلص سقف المجال السّياسي أمامها، وكيف قامت بتلطيف أجندتها الإسلاموية (برنامجها) لتسهل انضمامها إلى «المعارضة» الكويتية العريضة.

خلاف الأجندة

تعمل المعارضة الكويتية على أجندة خلاف أجندة الإخوان التقليدية، ولكن الإخوان اضطروا للدخول في طيف المعارضة الواسع عبر اتباع تلطيف الخطاب الديني، لكنها تميزت عن بقية فروع الإخوان في عدم كونها مطالبة بتقديم دعم مادي للحصول على أتباع، باستثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت.

وركز إخوان الكويت على التواصل الاجتماعي والتعليم، وعلى التربية كوسيلة لإعادة أسلمة المجتمع، كما حاولوا رعاية مجموعة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية الشائعة بين الجماعات الإسلاموية، وهي نشاطات تساعد في تعزيز الدّعم الانتخابي للجماعة.

وسائل لزيادة الشعبية

في ظل عجز إخوان الكويت عن تحسين الرفاهية الاقتصادية لأتباعهم، بسبب سخاء الدّولة الهائل، فقد استخدموا وسائل لزيادة شعبيتهم، وقدموا تنازلات وعملوا مدفوعين بتغيير تكتيكي على زيادة اعتدالهم وتعاونهم مع الكتل السياسية العلمانية.

برنامج عمل

منذ تأسيسها تحت راية جمعية الإرشاد الإسلامي (الإرشاد لاحقا) عام 1951، قبل عقد من استقلال الدولة كانت الجماعة ترمي لأن تكون قوة موازنة للنفوذ الغربي، ولتحقيق هذه الغاية، نظمت الجماعة، في المقام الأول، فعاليات ثقافية واجتماعية، على أمل إعادة أسلمة المجتمع الكويتي من الأسفل إلى الأعلى.

في عام 1963 قرر أعضاء سابقون في الإرشاد إعادة تنظيم حركة الإخوان في الكويت المُستقلة حديثًا، وأسسوا جمعية الإصلاح الاجتماعي (الإصلاح لاحقًا) في يوليو 1963، ومع أن كثيرًا من أهدافها الظاهرية كانت اجتماعية ودينية بحتة، إلا أن أهدافًا أخرى لها أصبحت أكثر ميلًا إلى السّياسة، مثل الدّعوة إلى أسلمة القوانين الكويتية، وبدأت حملة لتعديل المادة الثانية من الدستور لجعل الشريعة الإسلامية «المصدر الرئيس» للتشريع.

الترشح ككتلة

ابتداء من عام 1981 بدأ أعضاء الإخوان بالترشح للبرلمان ككتلة بعدما كانوا يترشحون كأفراد مُستقلين، وذلك لتستخدم الجماعة وجودها في البرلمان لأسلمة المجتمع (المسلم أساسًا) من أعلى إلى أسفل.

تشدد الإخوان

عام 1986 تحالف الإخوان مع كتل غير إسلامية لاستجواب وزراء في البرلمان، وخشيت الحكومة من فقدان سلطتها، فعلقت بعض مواد الدستور وحلت البرلمان، فانبثقت حركة شعبية تطالب بعودة العمل بالدّستور واستعادة البرلمان، وشملت كتلًا سياسية بينها الإخوان قدمت التماسًا إلى الحكومة لاستعادة البرلمان. وكانت هذه المرة الأولى التي يتعاون فيها الإسلامويون مع كتل سياسية ذات ميول أيديولوجية مختلفة، وكانت جهود تلك الحركة مستمرة حين غزا صدام حسين الكويت 1990.

انقسم الإخوان خلال هذه الفترة إلى تيارين، أحدهما أصولي رفض المشاركة في حكومة «غير مسلمة» في نظرهم، وثانيهما معتدل، اعتبر ممارسة العمل السّياسي وسيلة لتسهيل الدّعوة.

ومثل النائب عبدالله النفيسي الموقف الأصولي الرفضي المُتطرّف للإخوان، وعدّ الصدام مع الحكومة أمرًا حتميًا لا مفر منه، وأكد أن «أكبر عدو فعلي للحركة الإسلامية هو النظام».

من جانبه، دعا رئيس تحرير مجلة الإخوان المسلمون «المجتمع» إسماعيل الشطي إلى موقف أكثر اعتدالا، وأشار إلى نفسه على أنه «مصلح تدريجي» يأمل بأسلمة المجتمع من خلال النظام السّياسي.

في عام 1987، استقال النفيسي من جمعية الإصلاح، وأسهمت «أفكاره في انبثاق جيل جديد من الإخوان الكويتيين بدأ يصطدم بأساليب الرّموز التقليدية للحركة التي نُشؤوا عليها في السبعينيات.

انبثاق حدس

خلال الاحتلال العراقي للكويت تراجعت أيديولوجية الإخوان وتقدمت البراغماتية، وحصل الإخوان هنا على دعم إضافي، من خلال إدارتهم للجمعيات التعاونية التي وفرت الغذاء والإمدادات، وتسبب الغزو في توتر العلاقات بين إخوان الكويت والإخوان المسلمين في مصر، وقاد الأمر لإنهاء علاقتهما رسميًا عام 1991.

تطوير أجندة محلية

منذ فك ارتباطهم بالتنظيم الدولي للإخوان، مال إخوان الكويت لتطوير أجندة محلية واضحة.

بعد التحرير تأسست الحركة الدّستورية الإسلامية (حدس)، وبذل الجيل الأصغر من أنصار الإخوان جهودهم «لتطوير لغة سياسية ذات جاذبية أوسع».

ومنذ مطلع الألفية، أصبحت حدس جزءًا منتظمًا وصريحًا من المعارضة الكويتية، وبلغت مشاركتها ذروتها عام 2006 عندما قامت بدور رائد بجانب الكتل الليبرالية في حركة «نبيها خمسة»، التي دعت إلى تقليص عدد الدّوائر الانتخابية من 25 دائرة إلى 10 دوائر، في محاولة للحد من ظاهرة شراء الأصوات ظاهريًا والتحكم في المسار الانتخابي فعليًا، وهو ما وافق عليه أمير البلاد لاحقًا.

هيمنة المعارضة

أكدت انتخابات يونيو 2006 صعود المعارضة وهيمنتها على البرلمان، وكان أداء الإسلامويين جيدًا بشكل خاص، إذ جمعت حدس أكبر حصة لها من المقاعد في تاريخها (6 مقاعد)، وهو نفس عدد المرشحين الذين قدمتهم رسميًا، لكن تحالف المعارضة سرعان ما انهار لخلاف الإسلامويين مع بقية أطيافها حول عدد من المسائل.

في انتخابات 2008 ونتيجة الانقسامات خسرت حدس نصف عدد مقاعدها، واحتفظت بـ3 مقاعد برلمانية فقط.

وفي انتخابات 2009 هبطت حصة حدس إلى عضو واحد فقط، واستقالت قيادة الحركة ما يعني اعترافها بالفشل.

صعود انتخابي

في انتخابات 2012 فازت المعارضة على نحو ساحق، وفاز الإسلامويون (الإخوان والسّلف) والمُرشّحون القبليون بـ34 مقعدًا من أصل 50 مقعدًا برلمانيًا، لكن البرلمان نفسه تم حله بعد 4 أشهر من قبل المحكمة الدّستورية، التي وجدت أنّ حل البرلمان السّابق (مجلس 2009) غير دستوري.

دور حدس اليوم

تشكل حدس في البرلمان الكويتي جزءًا مهمًا من حركة المعارضة بعدما تخلت في عام 2013 عن مطلبها الأساسي بتنقيح المادة الثانية من الدستور لتصبح الشّريعة الإسلامية «المصدر الأساسي» بدل «مصدر أساسي» للتشريع.

وبدا أنها مستعدة للعمل بشكل متزايد بجانب حركات المعارضة العلمانية، وأصبحت تسعى إلى إصلاح واسع النطاق بدلا من الأسلمة.

المحصلة

تكتيكات حدس تثبت الحالة الكويتية أن مطالب الإسلامويين بدأت تتحول نحو الاعتدال بشكل متزايد وفق سياستها البراغماتية، مع التركيز على الإصلاح السّياسي بشكل أكثر من السّياسات الاجتماعية التي تهدف إلى أسلمة المجتمع.

إن من شأن تحديد النقطة التي تتغير عندها أولويات الإسلامويين وفي أي بيئات أخرى فعلوا ذلك أن يساعد في تطوير وتفسير ظاهرة «الاعتدال الإسلاموي» الظاهري الموثقة في السّياق الكويتي.

تركيز على السّياسة أكثر من الدّين

التحرك ضد الوزراء على أساس الفساد المالي وليس الأخلاقي احتفاظها بـ«غطاء سياسي» عبر العمل مع القوى العلمانية

تحسين الصورة السابقة واستخدام البراغماتية للظهور بمظهر الاعتدال