يقلب الله الليل والنهار في نظام متقن بديع ترتبط حياة الناس والعالم به وبما يترتب عليه من فصول مطردة في نظام بديع لا يكاد يدركه الخلل يومًا أو الاضطراب، رغم ما لا يحصى من السنين التي مضت منذ عمر الأحياء على الأرض أو من قبل أن يعمروها، وهذه حقيقة معروفة، غير أن من الطريف أن يعيشها الإنسان واقعًا أو في الخيال ليرى كيف تشرق الشمس التي غربت في اليابان على جزر (هاواي) ؟ وكيف تلمع الظهيرة في صحراء الجزيرة، عندما يشرق الضحى في (لندن) ملفعًا بالغيوم، أو عندما يطل المساء في الوقت ذاته على (بانكوك) مثلا أو (الباكستان) !

وتبدو الطائرة من باريس حتى «نيويورك» وكأنها تسابق الشمس.. حتى إذا هبطت لم تبعد عنها أو عن حركتها معها عندما طارت من هناك... فإذا واصلت سيرها إلى الجنوب فكأنما ارتد الزمن إلى الوراء... إلى فصل الربيع، من فصـل الخريف، أو إلى الشتاء من فصل الصيف بين طرف وآخر من هذه الأرض التي كتب الله فيها وعليها محنة الإنسان...

ثم لا شيء إلا أنه يدور معها كأضخم شيء نعرف، وكإحدى الطائرات التافهة بين ملايين النجوم والكواكب التي لا ترى العين منها إلا ما تراه. وعلى الأرض الطائرة ما لا يحصى من المخلوقات، تختلف أشكالها وألوانها وأسرار خلقها، ويجهلها الناس معها تطور العلم ومعها سار فيهم مسيرة الوهم والغرور.


وهناك في الأرض الطائرة بحر وبر وفضاء، وبساط أخضر يكسو الجبل والسهل في بقاع دون أخرى يكسوها وبر الصحراء وهناك النهر، والبحيرة، والضباب، وأسراب من الطيور والخلق البديع والعطاء السخي في جهات يرتفع في غيرها نذير الخطر والجفاف.

وهنالك براعة الخلق في صور بارعة من الشعر... والجمال... والعيش السعيـد إجمالا... كبراعة الخلق في نقائضها على اختلاف السمات والمزايا، والإنسان بينها، وبين الليل والنهار، وتقلبات الطبيعة عليه وعلى الأرض التي يدور معها، يبدو شيئا واحدا في الأصل والتصميم والمظهر الإجمالي العام، إلا أنه يتغاير إلى حد التناقض أو الصراع..

في بعض الجهات يأكلون الثعابين والأفاعي في مطاعم منسقة كالتي يؤكل فيها اللحم والدجاج، وفي بعضها يأكلون مخ القرد... وفي بعضها لا يأكلون الحمام، وفي ملامح الناس بين أجزاء العالم ما يذكر بالسمك أو الغزلان أو بالقردة، أو بالخراف ونظام الحياة يختلف بين جهات وأخرى، سواء كان هو نظام الفرد أو الجماعة...

وتنبت الأرض من زرعها أشكالًا مختلفة عن بعضها. إن في بعض الجهات أصناف الفاكهة والطعام مجهولة في غيرها، كما لا يعد من أصناف العادات والتقاليد والأزياء إجمالًا وتفصيلًا.

وهناك الكثير مما قد نعرفه نظريًا، ولكننا نعيه حق الوعى إذا عرفناه بالتجربة والمعاناة... ثم لا نكاد نعرف إلا القليل من ملامح القدرة البارعة التي أتقنت صنع كل شيء.

1961*

* كاتب ووزير سعودي سابق «1910- 1994»